كتاب تفسير فتح القدير (الفكر) (اسم الجزء: 4)

"""""" صفحة رقم 13 """"""
النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فذكر ذلك وتلا القرآن فلما نزل من المنبر أمر بالرجلين والمرأة فضربوا حدهم وسماهم حسان ومسطح بن أثاثة وحمنة بنت جحش
واختلفوا في وجه تركه ( صلى الله عليه وسلم ) لجلد عبد الله بن أبى فقيل لتوفير العذاب العظيم له في الآخرة وحد من عداه ليكون ذلك تكفيرا لذنبهم كما ثبت عنه ( صلى الله عليه وسلم ) في الحدود أنه قال إنها كفارة لمن أقيمت عليه وقيل ترك حده تألفا لقومه واحتراما لابنه فإنه كان من صالحى المؤمنين وإطفاء لنائرة الفتنة فقد كانت ظهرت مباديها من سعد بن عبادة ومن معه كما في صحيح مسلم
النور : ( 12 ) لولا إذ سمعتموه . . . . .
ثم صرف سبحانه الخطاب عن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ومن معه إلى المؤمنين بطريق الالتفات فقال لولا إذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيرا لولا هذه هي التحضيضية تأكيدا للتوبيخ والتقريع ومبالغة في معاتبتهم أي كان ينبغي للمؤمنين حين سمعوا مقالة أهل الإفك أن يقيسوا ذلك على أنفسهم فإن كان ذلك يبعد فيهم فهو في أم المؤمنين أبعد قال الحسن معنى بأنفسهم بأهل دينهم لأن المؤمنين كنفس واحدة ألا ترى إلى قوله ولا تقتلوا أنفسكم قال الزجاج ولذلك يقال للقوم الذين يقتل بعضهم بعضا إنهم يقتلون أنفسهم قال المبرد ومثله قوله سبحانه ) فاقتلوا أنفسكم ( قال النحاس بأنفسهم بإخوانهم فأوجب الله سبحانه على المسلمين إذا سمعوا رجلا يقذف أحدا ويذكره بقبيح لا يعرفونه به أن ينكروا عليه ويكذبوه قال العلماء إن في الآية دليلا على أن درجة الإيمان والعفاف لا يزيلها الخبر المحتمل وإن شاع ) وقالوا هذا إفك مبين ( أى قال المؤمنون عند سماع الإفك هذا إفك ظاهر مكشوف
النور : ( 13 ) لولا جاؤوا عليه . . . . .
وجملة ) لولا جاؤوا عليه بأربعة شهداء ( من تمام ما يقوله المؤمنون أى وقالوا هلا جاء الخائضون بأربعة شهداء يشهدون على ما قالوا ) فإذ لم يأتوا بالشهداء فأولئك ( أى الخائض ونفي الإفك ) عند الله هم الكاذبون ( أى فى حكم الله تعالى هم الكاذبون الكاملون في الكذب
النور : ( 14 ) ولولا فضل الله . . . . .
) ولولا فضل الله عليكم ورحمته في الدنيا والآخرة ( هذا خطاب للسامعين وفيه زجر عظيم ولولا هذه هي لامتناع الشيء لوجود غيره ) لمسكم فيما أفضتم فيه ( أى بسبب ما خضتم فيه من حديث الإفك يقال أفاض في الحديث واندفع وخاض والمعنى لولا أنى قضيت عليكم بالفضل في الدنيا بالنعم التي من جملتها الإمهال والرحمة في الآخرة بالعفو لعاجلتكم بالعقاب على ما خضتم فيه من حديث الإفك وقيل المعنى لولا فضل الله عليكم لمسكم العذاب في الدنيا والآخرة معا ولكن برحمته ستر عليكم في الدنيا ويرحم والآخرة من أتاه تائبا
النور : ( 15 ) إذ تلقونه بألسنتكم . . . . .
) إذ تلقونه بألسنتكم ( الظرف منصوب بمسكم أو بأفضتم قرأ الجمهور إذ تلقونه من التلقى والأصل تتلقونه فحذف إحدى التاءين قال مقاتل ومجاهد المعنى يرويه بعضكم عن بعض قال الكلبي وذلك أن الرجل منهم يلقى الرجل فيقول بلغني كذا وكذا ويتلقونه تلقيا قال الزجاج معناه يلقيه بعضكم إلى بعض وقرأ محمد بن السميفع بضم التاء وسكون اللام وضم القاف من الإلقاء ومعنى هذه القراءة واضح وقرأ أبي مسعود تتلقونه من التلقي وهي كقراءة الجمهور وقرأ ابن عباس وعائشة وعيسى بن عمر ويحيى بن يعمر وزيد بن علي بفتح التاء وكسر اللام وضم القاف وهذه القراءة مأخوذة من قول العرب ولق يلق ولقا إذا كذب قال ابن سيده جاءوا بالمتعدى شاهدا على غير المتعدى قال ابن عطية وعندى أنه أراد يلقون فيه فحذف حرف الجر فاتصل الضمير قال الخليل وأبو عمرو أصل الولق الإسراع يقال جاءت الإبل تلق أى تسرع ومنه قول الشاعر لما رأوا جيشا عليهم قد طرق
جاءوا بأسراب من الشام ولق
وقال الآخر جاءت به عيسى من الشام تلق
قال أبو البقاء أي يسرعون فيه قال ابن جرير

الصفحة 13