كتاب تفسير فتح القدير (الفكر) (اسم الجزء: 4)

"""""" صفحة رقم 22 """"""
سورة النور ( 30 31 )
النور : ( 30 ) قل للمؤمنين يغضوا . . . . .
لما ذكر سبحانه حكم الاستئذان أتبعه بذكر حكم النظر على العموم فيندرج تحته غض البصر من المستأذن كما قال ( صلى الله عليه وسلم ) إنما جعل الإذن من أجل البصر وخص المؤمنين مع تحريمه على غيرهم لكون قطع ذرائع الزنا التي منها النظر هم أحق من غيرهم بها وأولى بذلك ممن سواهم وقيل إن في الآية دليلا على أن الكفار غير مخاطبين بالشرعيات كما يقوله بعض أهل العلم وفي الكلام حذف والتقدير ) قل للمؤمنين ( غضوا يغضوا ومعنى غض البصر إطباق الجفن على العين بحيث تمتنع الرؤية ومنه قول جرير فغض الطرف إنك من نمير
فلا كعبا بلغت ولا كلابا
وقول عنترة وأغض طرفي ما بدت لي جارتي
حتى تواري جارتي مأواها
ومن في قوله ) من أبصارهم ( هي التبعيضية وإليه ذهب الأكثرون وبينوه بأن المعنى غض البصر عما يحرم والاقتصار به على مايحل وقيل وجه التبعيض أنه يعض للناضر أول نظرة تقع من غير قصد وقال الأخفش إنها زائدة وأنكر ذلك سيبويه وقيل إنها لبيان الجنس قاله أبو البقاء واعترض عليه بأنه لم يتقدم مبهم يكون مفسرا بمن وقيل إنها لابتداء الغاية قاله ابن عطية وقيل الغض النقصان يقال غض فلان من فلان أى وضع منه فالبصر إذا لم يمكن من عمله فهو مغضوض منه ومنقوص فتكون من صلة للغض وليست لمعنى من تلك المعاني الأربعة وفي هذه الآية دليل على تحريم النظر إلى غير من يحل النظر إليه ومعنى ) ويحفظوا فروجهم ( أنه يجب عليهم حفظها عما يحرم عليهم وقيل المراد ستر فروجهم عن أن يراها من لاتحل له رؤيتها ولا مانع من إرادة العينين فالكل يدخل تحت حفظ الفرج قيل ووجه المجىء بمن في الأبصار دون الفروج أنه موسع في النظر فإنه لا يحرم منه إلا ما استثنى بخلاف حفظ الفرج فإنه مضيق فيه فإنه لا يحل منه إلا ما استثنى وقيل الوجه أن غض البصر كله كالمتعذر بخلاف حفظ الفرج فإنه ممكن على الإطلاق والإشارة بقوله ذلك إلى ما ذكره من الغض والحفظ وهو مبتدأ وخبره أزكى لهم أي أظهر لهم من دنس الريبة وأطيب من التلبس بهذه الدنيئة ) إن الله خبير بما يصنعون ( لا يخفى عليه شيء من صنعهم وفي ذلك لمن لم يغض بصره ويحفظ فرجه
النور : ( 31 ) وقل للمؤمنات يغضضن . . . . .
) وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ( خص سبحانه الإناث بهذا الخطاب على طريق التأكيد لدخولهن تحت خطاب المؤمنين تغليبا كما في سائر الخطابات القرآنية وظهر التضعيف في يغضض ولم يظهر في يغضوا لأن لام الفعل من الأول متحركة ومن الثاني ساكنة وهما في موضع جزم جوابا للأمر وبدأ سبحانه بالغض

الصفحة 22