كتاب تفسير فتح القدير (الفكر) (اسم الجزء: 4)

"""""" صفحة رقم 23 """"""
في الموضعين قبل حفظ الفرج لأن النظر وسيلة إلى عدم حفظ الفرج والوسيلة مقدمة على المتوسل إليه ومعنى يغضضن من أبصارهن كمعنى يغضوا من أبصارهم فيستدل به على تحريم نظر النساء إلى ما يحرم عليهن وكذلك يجب عليهن حفظ فروجهن على الوجه الذى تقدم في حفظ الرجال لفروجهم ) ولا يبدين زينتهن ( أى ما يتزين به من الحلية وغيرها وفي النهى عن إبداء الزينة نهى عن إبداء مواضعها من أبدانهن بالأولى ثم استثنى سبحانه من هذا النهى فقال ) إلا ما ظهر منها (
واختلف الناس في ظاهر الزينة ماهو فقال ابن مسعود وسعيد بن جبير ظاهر الزينة هو الثياب وزاد سعيد بن جبير الوجه وقال عطاء والأوزاعي الوجه والكفان وقال ابن عباس وقتادة والمسمور بن مخرمة ظاهر الزينة هو الكل والسواك والخضاب إلى نصف الساق ونحو ذلك فإنه يجوز للمرأة أن تبديه وقال ابن عطية إن المرأة لاتبدي شيئا من الزينة وتخفي كل شيء من زينتها ووقع الاستثناء فيما يظهر منها بحكم الضرورة ولا يخفى عليك أن ظاهر النظم القرآني النهى عن إبذاء الزينة إلا ما ظهر منها كاكجلبات والخمار ونحوهما مما على الكف والقدمين من الحلية ونحوها وإن كان المراد بالزينة مواضعها كان الاستثناء راجعا إلى ما يشق على المرأة ستره كالكفين والقدمين ونحو ذلك وهكذا إذا كان النهى عن إظهار الزينة يستلزم النهي عن إظهار مواضعها بفحوى الخطاب فإنه يحمل الاستثناء على ما ذكرناه في الموضعين وأما إذا كانت الزينة تشمل مواضع الزينة وما تتزين به النساء فالأمر واضح والاستثناء يكون من الجميع قال القرطبي في تفسيره الزينة على قسمين خلقية ومكتسبة فالخلقية وجهها فإنه أصل الزينة والزينة المكتسبة ماتحاوله المرأة في تحسين خلقها كالثياب والحلى والكحل والخضاب ومنه قوله تعالى ) خذوا زينتكم ( وقول الشاعر
يأخذن زينتهن أحسن ما ترى
وإذا عطلن فهن خير عواطل
) وليضربن بخمرهن على جيوبهن ( قرأ الجمهور بإسكان اللام التي للأمر وقرأ أبو عمرو بكسرها على الأصل لأن أصل لام الأمر الكسر ورويت هذه القراءة عن ابن عباس والخمر جمع خمار وهو ما تغطى به المرأة رأسها ومنه اختمرت المرأة وتخمرت والجيوب جمع جيب وهو موضع القطع من الدرع والقميص مأخوذ من الجوب وهو القطع قال المفسرون إن نساء الجاهلية كن يسدلن خمرهن من خلفهن وكانت جيوبهن من قدام واسعة فكان تنكشف نحورهن وقلائدهن فأمرن أن يضربن مقانعهن على الجيوب لتستر بذلك ما كان يبدو وفي لفظ الضرب مبالغة في الألقاء الذي هو الإلصاق قرأ الجمهور ) بخمرهن ( بتحريك الميم وقرأ طلحة ابن مصرف بسكونها وقرأ الجمهور جيوبهن بضم الجيم وقرأ ابن كثير وبعض الكوفيين بكسرها وكثير من متقدمى النحويين لايجوزون هذه القراءة وقال الزجاج يجوز أن يبدل من الضمة كسرة فأما ما روى عن حمزة من الجمع بين الضم والكسر فمحال لايقدر أحد أن ينطق به إلا على الإيماء وقد فسر الجمهور الجيوب بما قدمنا وهو المعنى الحقيقي وقال مقاتل إن معنى على جيوبهن على صدورهن فيكون في الآية مضاف محذوف أى على مواضع جيوبهن ثم كرر سبحانه النهى عن إبداء الزينة لأجل ما سيذكره من الاستثناء فقال ) ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن ( البعل هو الزوج والسيد في كلام العرب وقدم البعولة لأنهم المقصودون بالزينة ولأن كل بدن الزوجة والسرية حلال لهم ومثله قوله سبحانه ) والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين ( ثم لما استثنى سبحانه الزوج أتبعه باستثناء ذوى المحارم فقال ) أو آبائهن أو آباء بعولتهن (

الصفحة 23