كتاب تفسير فتح القدير (الفكر) (اسم الجزء: 4)

"""""" صفحة رقم 33 """"""
شفاف يظهر فيه النور أكمل ظهور ثم وصف الزجاجة فقال ) الزجاجة كأنها كوكب دري ( أي منسوب إلى الدر لكون فيه من الصفاء والحسن ما يشابه الدر وقال الضحاك الكوكب الدرى الزهرة قرأ أبو عمرو درى بكسر الدال قال أبو عمرو لم أسمع أعرابيا يقول إلا كأنه كوكب درى بكسر الدال أخذوه من درأت النجوم تدرأ إذا اندفعت وقرأ حمزة بضم الدال مهموزا وأنكره الفراء والزجاج والمبرد وقال أبو عبيد إن ضممت الدال وجب أن لا تهمز لأنه ليس في كلام العرب والدرارى هى المشهورة من الكواكب كالمشترى والزهرة والمريخ وما يضاهيها من الثوابت ثم وصف المصباح بقوله ) يوقد من شجرة مباركة ( ومن هذه هي الابتدائية أى ابتداء إيقاد المصباح منها وقيل هو على تقدير مضاف أى يوقد من زيت شجرة مباركة والمباركة الكثيرة المنافع وقيل المنماة والزيتون من أعظم الثمار نماء ومنه قول أبى طالب يرثى مسافر بن أبى عمرو ابن أمية بن عبد شمس ليث شعرى مسافر بن أبى عمرو
وليت يقولها المخرون
بورك الميت الغريب كما
بورك نبع الرمان والزيتون
قيل ومن بركتها أن أغصانها تورق ومن أسفلها إلى أعلاها وهى إدام ودهان ودباغ ووقود وليس فيها شىء إلا وفيه منفعة ثم وصفها بأنها ) لا شرقية ولا غربية (
وقد اختلف المفسرون في معنى هذا الوصف فقال عكرمة وقتادة وغيرهم إن الشرقية هى التى تصيبها الشمس إذا شرقت ولاتصيبها إذا غربت والغربية هى التي تصيبها إذا غربت ولا تصيبها إذا شرقت وهذه الزيتونة هى في صحراء بحيث لا يسترها عن الشمس شىء لا فى حال شروقها ولا في حال غروبها وما كانت من الزيتون هكذا فثمرها أجود وقيل إن المعنى إنها شجرة في دوحة قد أحاطت بها فهى غير منكشفة من جهة الشرق ولا من جهة الغرب حكى هذا ابن جرير عن ابن عباس قال ابن عطية وهذا لا يصح عن ابن عباس لأن الثمرة التى بهذه الصفة يفسد جناها وذلك مشاهد في الوجود ورجح القول الأول الفراء والزجاج وقال الحسن ليست هذه الشجرة من شجر الدنيا وإنما هو مثل ضربه الله لنوره ولو كانت في الدنيا لكانت إما شرقية وإما غربية قال الثعلبي قد أفصح القرآن بأنها من شجر الدنيا لأن قوله زيتونة بدل من قوله شجرة قال ابن زيد إنها من شجر الشام فإن الشام لا شرقى ولا غربى والشام هى الأرض المباركة وقد قريء توقد بالتاء الفوقية على أن الضمير راجع إلى الزجاجة دون المصباح وبها قرأ الكوفيون وقرأ شيبة ونافع وأيوب وسلام وابن عامر وأهل الشام وحفص يوقد بالتحتية مضمومة وتخفيف القاف وضم الدال وقرأ الحسن والسلمي وأبو عمرو بن العلاء وأبو جعفر توقد بالفوقية مفتوحة وفتح الواو وتشديد القاف وفتح الدال على أنه فعل ماض من توقد يتوقد والضمير في هاتين القراءتين راجع إلى المصباح قال النحاس وهاتان القراءتان متقاربتان لأنهما جميعا للمصباح وهو أشبه بهذا الوصف لأنه الذى ينير ويضيء وإنما الزجاجة وعاء له وقرأ نصر بن عاصم كقراءة أبى عمرو ومن معه إلا أنه ضم الدال على أنه فعل مضارع وأصله تتوقد ثم وصف الزيتونة بوصف آخر فقال ) يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار ( قرأ الجمهور تمسسه بالفوقية لأن النار مؤنثة قال أبو عبيد إنه لا يعرف إلا هذه القراءة وحكى أبو حاتم أن السدى روى عن أبى مالك عن ابن عباس أنه قرأ يمسسه بالتحتية لكون تأنيث النار غير حقيقي والمعنى أن هذا الزيت في صفاته وإنارته يكاد

الصفحة 33