كتاب تفسير فتح القدير (الفكر) (اسم الجزء: 4)

"""""" صفحة رقم 45 """"""
يذعنون لعلمهم بأن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) لا يحكم إلا بالحق فقال ) وإن يكن لهم الحق يأتوا إليه مذعنين ( قال الزجاج الإذعان الإسراع مع الطاعة يقال أذعن لى بحقى أى طاوعنى لما كنت ألتمس منه وصار يسرع إليه وبه قال مجاهد وقال الأخفش وابن الأعرابي مذعنين مقرين وقال النقاش مذعنين خاضعين
النور : ( 50 ) أفي قلوبهم مرض . . . . .
ثم قسم الأمر في إعراضهم عن حكومته إذا كان الحق عليهم فقال ) أفي قلوبهم مرض ( وهذه الهمزة للتوبيخ والتقريع لهم والمرض النفاق أى أكان هذا الإعراض منهم بسبب النفاق الكائن في قلوبهم ) أم ارتابوا ( وشكوا في أمر نبوته ( صلى الله عليه وسلم ) وعدله في الحكم ) أم يخافون أن يحيف الله عليهم ورسوله ( والحيف الميل في الحكم يقال حاف في قضيته أى جار فيما حكم به ثم أضرب عن هذه الأمور التى صدرها بالإستفهام الإنكارى فقال ) بل أولئك هم الظالمون ( أى ليس ذلك لشىء مما ذكر بل لظلمهم وعنادهم فإنه لو كان الاعراض لشئ مما ذكر لما أتوا إليه مذعنين إذا كان الحق لهم وفى هذه الآية دليل على وجوب الإجابة إلى القاضي العالم بحكم الله العادل في حكمه لأن العلماء ورثة االأنبياء والحكم من قضاة الإسلام العالمين بحكم الله العارفين بالكتاب والسنة العادلين في القضاء هو حكم بحكم الله وحكم رسوله فالداعي إلى التحاكم إليهم قد دعا إلى الله وإلى رسوله أى إلى حكمهما قال ابن خويزمنداد واجب على كل من دعى إلى مجلس الحاكم أن يجيب مالم يعلم أن الحاكم فاسق قال القرطبي في هذه الآية دليل علي وجوب إجبة الداعى إلى الحاكم لأن الله سبحانه ذم من دعى إلى رسوله ليحكم بينه وبين خصمه بأقبح الذم فقال أفى قلوبهم مرض الآية انتهى فإن كان القاضي مقصرا لا يعلم بأحكام الكتاب والسنة ولا يعقل حجج الله ومعانى كلامه وكلام رسوله بل كان جاهلا جهلا بسيطا وهو من لا علم له بشىء من ذلك أو جهلا مركبا وهو من لا علم عنده بما ذكرنا ولكنه قد عرف بعض اجتهادات المجتهدين واطلع على شىء من علم الرأى فهذا في الحقيقة جاهل وإن اعتقد أنه يعلم بشىء من العلم فاعتقاده باطل فمن كان من القضاة هكذا فلا تجب الإجابة إليه لأنه ليس ممن يعلم بحكم الله ورسوله حتى يحكم به بين المتخاصمين إليه بل هو من قضاة الطاغوت وحكام الباطل فإن ما عرفه من علم الرأي إنما رخص في العمل به للمجتهد الذى هو منسوب إليه عند عدم الدليل من الكتاب والسنة ولم يرخص فيه لغيره ممن يأتى بعده وإذا تقرر لديك هذا وفهمته حق فهمه علمت أن التقليد والانتساب إلى عالم من العلماء دون غيره والتقيد بجميع ما جاء به من رواية ورأى وإهمال ما عداه من أعظم ما حدث في هذه الملة الإسلامية من البدع المضلة والفواقر الموحشة فإنا لله وإنا إليه راجعون وقد أوضحنا هذا في مؤلفنا الذى سميناه القول المفيد في حكم التقليد وفي مؤلفنا الذى سميناه أدب الطلب ومنتهى الأرب فمن أراد أن يقف على حقيقة هذه البدعة التى طبقت الأقطار الإسلامية فليرجع إليهما
النور : ( 51 ) إنما كان قول . . . . .
ثم لما ذكر ما كان عليه أهل النفاق أتبع بما يجب على المؤمنين أن يفعلوه إذا دعوا إلى حكم الله ورسوله فقال ) إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا ( قرأ الجمهور بنصب قول على أنه خبر كان واسمها أن يقولوا وقرأ علي والحسن وابن أبى إسحاق برفع قول على أنه الاسم وأن المصدرية وما فى حيزها الخبر وقد رجحت القراءة الأولى بما تقرر عند النحاة من أنه إذا اجتمع معرفتان وكانت إحداهما أعرف جعلت التى هي أعرف اسما وأما سيبويه فقد خير بين كل معرفتين ولم يفرق هذه التفرقة وقد قدمنا الكلام على الدعوة إلى الله ورسوله للحكم بين المتخاصمين وذكرنا من تجب الإجابة إليه من القضاة ومن لا تجب ) أن يقولوا سمعنا وأطعنا ( أى أن يقولوا هذا القول لا قولا آخر وهذا وإن كان على طريقة الخبر فليس المراد به ذلك بل المراد به تعليم الأدب الشرعي عند هذه الدعوة من أحد

الصفحة 45