كتاب تفسير فتح القدير (الفكر) (اسم الجزء: 4)

"""""" صفحة رقم 46 """"""
المتخاصمين للآخر والمعنى أنه ينبغي للمؤمنين أن يكونوا هكذا بحيث إذا سمعوا الدعاء المذكور قابلوه بالطاعة والإذعان قال مقاتل وغيره يقولون سمعنا قول النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وأطعنا أمره وإن كان ذلك فيما يكرهونه ويضرهم ثم أثنى سبحانه عليهم بقوله وأولئك أى المؤمنون الذين قالوا هذا القول ) هم المفلحون ( أى الفائزون بخير الدنيا والآخرة
النور : ( 52 ) ومن يطع الله . . . . .
ثم أردف الثناء عليهم بثناء آخر فقال ) ومن يطع الله ورسوله ويخش الله ويتقه فأولئك هم الفائزون ( وهذه الجملة مقررة لما قبلها من حسن حال المؤمنين وترغيب من عداهم إلى الدخول في عدادهم والمتابعة في طاعة الله ورسوله والخشية من الله عز وجل والتقوى له قرأ حفص ويتقه بإسكان القاف على نية الجزم وقرأ الباقون بكسرها لأن جزم هذا الفعل بحذف آخره وأسكن الهاء أبو عمرو وأبو بكر واختلس الكسرة يعقوب وقالون عن نافع والمثنى عن أبى عمرو وحفص وأشبع كسرة الهاء الباقون قال ابن الأنبارى وقراءة حفص على لغة من قال لم أر زيدا ولم أشتر طعاما يسقطون الياء للجزم ثم يسكنون الحرف الذى قبلها ومنه قول الشاعر قالت سليمى اشتر لنا دقيقا
وقول الاخر
عجبت لمولود وليس له أب وذى ولد لم يلده أبوان
وأصله يلد بكسر اللام وسكون الدال للجزم فلما سكن اللام التقى ساكنان فلو حرك الأول لرجع إلى ما وقع الفرار منه فحرك ثانيهما وهو الدال ويمكن أن يقال إنه حرك الأول على أصل التقاء الساكنين وبقى السكون على الدال لبيان ما عليه أهل هذه اللغة ولا يضر الرجوع إلى ما وقع الفرار منه فهذه الحركة غير تلك الحركة والإشارة بقوله فأولئك هم الفائزون إلى الموصوفين بما ذكر من الطاعة والخشية والتقوى أى هم الفائزون بالنعيم الدنيوى والأخروى لا من عداهم
النور : ( 53 ) وأقسموا بالله جهد . . . . .
ثم حكى سبحانه عن المنافقين أنهم لما كرهوا حكمه أقسموا بأنه لو أمرهم بالخروج إلى الغزو لخرجوا فقال ) وأقسموا بالله جهد أيمانهم لئن أمرتهم ليخرجن ( أى لئن أمرتهم بالخروج إلى الجهاد ليخرجن وجهد أيمانهم منتصب على أنه مصدر مؤكد للفعل المحذوف الناصب له أى أقسموا بالله يجهدون أيمانهم جهدا ومعنى جهد أيمانهم طاقة ما قدروا أن يحلفوا مأخوذ من قولهم جهد نفسه إذا بلغ طاقتها وأقصى وسعها وقيل هو منتصب على الحال والتقدير مجتهدين في أيمانهم كقولهم افعل ذلك جهدك وطاقتك وقد خلط الزمخشري الوجهين فجعلهما واحدا وجواب القسم قوله ليخرجن ولما كانت مقالتهم هذه كاذبة وأيمانهم فاجرة رد الله عليهم فقال ) قل لا تقسموا ( أى رد عليهم زاجرا لهم وقل لهم لاتقسموا أى لا تحلفوا على ما تزعمونه من الطاعة والخروج إلى الجهاد إن أمرتم به وهاهنا تم الكلام ثم ابتدأ فقال طاعة معروفة وارتفاع طاعة على أنها خبر مبتدأ محذوف أى طاعتهم طاعة معروفة بأنها طاعة نفاقية لم تكن عن اعتقاد ويجوز أن تكون طاعة مبتدأ لأنها قد خصصت بالصفة ويكون الخبر مقدرا أى طاعة معروفة أولى بكم من أيمانكم ويجوز أن ترتفع بفعل محذوف أى لتكن منكم طاعة أو لتوجد وفي هذا ضعف لأن الفعل لا يحذف إلا إذا تقدم ما يشعر به وقرأ زيد بن على والترمذى طاعة بالنصب على المصدر لفعل محذوف آى اطيعوا طاعة ) إن الله خبير بما تعملون ( من الأعمال وما تضمرونه من المخالفة لما تنطق به ألسنتكم وهذه الجملة تعليل لما قبلها من كون طاعتهم طاعة نفاق
النور : ( 54 ) قل أطيعوا الله . . . . .
ثم أمر الله سبحانه نبيه ( صلى الله عليه وسلم ) أن يأمرهم بطاعة الله ورسوله فقال ) قل أطيعوا الله وأطيعوا الرسول ( طاعة ظاهرة وباطنة بخلوص اعتقاد وصحة نية وهذا التكرير منه تعالى لتأكيد وجوب الطاعة عليهم فإن قوله ) قل لا تقسموا طاعة معروفة ( في حكم الأمر بالطاعة وقيل إنهما مختلفان فالأول فهي بطريق الرد والتوبيخ والثانى أمر بطريق التكليف لهم والإيجاب عليهم فإن تولوا

الصفحة 46