كتاب تفسير فتح القدير (الفكر) (اسم الجزء: 4)

"""""" صفحة رقم 58 """"""
لبعض الأمور التى تهمهم فإنه يأذن لمن شاء منهم ويمنع من شاء على حسب ما تقتضيه المصلحة التى يراها رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ثم أرشده الله سبحانه إلى الاستغفار لهم وفيه إشارة إلى أن الاستئذان إن كان لعذر مسوغ فلا يخلو عن شائبة تأثير أمر الدنيا على الاخرة ) إن الله غفور رحيم ( أى كثير المغفرة والرحمة بالغ فيهما إلى الغاية التى ليس وراءها غاية
النور : ( 63 ) لا تجعلوا دعاء . . . . .
) لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا ( وهذه الجملة مستأنفة مقررة لما قبلها أي لاتجعلوا دعوته إياكم كالدعاء من بعضكم لبعض في التساهل في بعض الأحوال عن الإجابة أو الرجوع بغير استئذان أو رفع الصوت وقال سعيد بن جبير ومجاهد المعنى قولوا يا رسول الله في رفق ولين ولا تقولوا يا محمد بتجهم وقال قتادة أمرهم أن يشرفوه ويفخموه وقيل المعنى لا تتعرضوا لدعاء الرسول عليكم بإسخاطه فإن دعوته موجبة ) قد يعلم الله الذين يتسللون منكم لواذا ( التسلل الخروج في خفية يقال تسلل فلان من بين أصحابه إذا خرج من بينهم واللواذ من الملاوذة وهو أن تستتر بشيء مخافة من يراك وأصله أن يلوذ هذا بذاك وذاك بهذا واللوذ ما يطيف بالجبل وقيل اللواذ الزوغان من شىء إلى شىء في خفية وانتصاب لواذا على الحال أى متلاوذين يلوذ بعضهم ببعض وينضم إليه وقيل هو منتصب على المصدرية لفعل مضمر هو الحال في الحقيقة أى يلوذون لواذا وقرأ زيد بن قطيب لواذا بفتح اللام وفي الآية بيان ما كان يقع من المنافقين فإنهم كانوا يتسللون عن صلاة الجمعة متلاوذين ينضم بعضهم إلى بعض استتارا من رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وقد كان يوم الجمعة أثقل يوم على المنافقين لما يرون من الاجتماع للصلاة والخطبة فكانوا يفرون على الحضور ويتسللون في خفية ويستتر بعضهم ببعض وينضم إليه وقيل اللواذ الفرار من الجهاد وبه قال الحسن ومنه قول حسان
وقريش تجول منكم لواذا
لم تحافظ وجف منها الحلوم
) فليحذر الذين يخالفون عن أمره ( الفاء لترتيب ما بعدها على ما قبلها أى يخالفون أمر النبى ( صلى الله عليه وسلم ) بترك العمل بمقتضاه وعدى فعل المخالفة بعن مع كونه متعديا بنفسه لتضمينه معنى الإعراض أو الصد وقيل الضمير لله سبحانه لأنه الآمر بالحقيقة ) أن تصيبهم فتنة ( مفعول يحذر وفاعلة الموصول والمعنى فليحذر المخالفون عن أمر الله أو أمر رسوله أو أمرهما جميعا إصابة فتنة لهم ) أو يصيبهم عذاب أليم ( أى في الآخرة كما أن الفتنة التى حذرهم من إصابتها لهم هى في الدنيا وكلمة أو لمنع الخلو قال القرطبى احتج الفقهاء على أن الأمر للوجوب بهذه الآية ووجه ذلك أن الله سبحانه قد حذر من مخالفة أمره وتوعد بالعقاب عليها بقوله ) أن تصيبهم فتنة ( الآية فيجب امتثال أمره وتحرم مخالفته والفتنة هنا غير مقيدة بنوع من أنواع الفتن وقيل هي القتل وقيل الزلازل وقيل تسلط سلطان جائر عليهم وقيل الطبع على قلوبهم قال أبو عبيدة والأخفش عن فى هذا الموضع زائدة وقال الخليل وسيبويه ليست بزائدة بل هى بمعنى بعد كقوله ) ففسق عن أمر ربه ( أى بعد أمر ربه والأولى ما ذكرناه من التضمين
النور : ( 64 ) ألا إن لله . . . . .
) ألا إن لله ما في السماوات والأرض ( من المخلوقات بأسرها فهى ملكه ) قد يعلم ما أنتم عليه ( أيها العباد من الأحوال التي أنتم عليها فيجازيكم بحسب ذلك ويعلم هاهنا بمعنى علم ويوم يرجون إليه معطوف على ما أنتم عليه أى يعلم ما أنتم عليه ويعلم يوم يرجعون إليه فيجازيكم فيه بما عملتم وتعليق علمه سبحانه بيوم يرجعون لابنفس رجعهم لزيادة تحقيق علمه لأن العلم بوقت وقوع الشىء يستلزم العلم بوقوعه على أبلغ وجه ) فينبئهم بما عملوا ( أى يخبرهم بما عملوا من الأعمال التى من جملتها مخالفة الأمر والظاهر من السياق أن هذا الوعيد للمنافقين ) والله بكل شيء عليم ( لايخفى عليه شىء من أعمالهم

الصفحة 58