كتاب مرآة الزمان في تواريخ الأعيان (اسم الجزء: 4)

ويحك يا ابن الخطاب جئت لتحرق بيتي؟ قال: نعم، أريد أن تدخلوا فيما دخلت فيه الأمة، فخرج علي حتى دخل على أبي بكر فبايعه، فقال له أبو بكر: أكرهت إمارتي؟ قال: لا، ولكن آليت أن لا أرتدي بعد موت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى أجمع القرآن، فعليه حبست نفسي (¬1).
والصحيح: أن عليًا رضوان الله عليه إنما بايع بعد مدة لما نذكر، والله أعلم.
وقال أنس: جلس عمر على منبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وذلك من الغد في اليوم الذي توفي فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فتشهد وأبو بكر صامت، ثم قال: أما بعد فإني قلت لكم أمس مقالة، وإنها لم تكن كما قلت، وإني والله ما وجدت تلك المقالة في كتاب أنزله الله ولا في عهد عهده إلي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولكن كنت أرجو أن يعيش رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى يَدْبُرَنا، فإن يك قد مات فإن الله قد جعل لكم نورًا تهتدون به هَدي محمد - صلى الله عليه وسلم - فاعتصموا به تهتدوا، وإنما هدى الله به بما هدى الله به رسوله، وإن أبا بكر صاحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وثاني اثنين، وإنه أولى الناس بأموركم، فقوموا، فبايعوه، قال: وكانت طائفة منهم قد بايعوه قبل ذلك في سقيفة بني ساعدة، وكانت بيعة العامة عند المنبر، قال أنس: فرأيت عمر يزعج أبا بكر إلى البيعة إزعاجًا (¬2).
ولم يبايع علي أبا بكر - رضي الله عنهما - إلا بعد ستة أشهر.
وقال المسعودي: لما جددت البيعة لأبي بكر يوم الثلاثاء على العامة خرج علي بن أبي طالب فقال: أيفتأت علينا في أمرنا ولم نستشر فيه؟ فقال أبو بكر: بلى، خشينا الفتنة، قال: ولم يبايع أبا بكر أحد من بني هاشم حتى ماتت فاطمة - عليها السلام - (¬3).
وذكر الطبري: أن عليًا رضوان الله عليه كان في بيته، فقيل له: قد بايع الناس أبا بكر، فخرج في قميص ما عليه إزار ولا رداء عجلًا كراهية أن يبطئ عنها، فبايع أبا بكر، وجلس إليه، وبعث إلى بيته فأتي بثوبه، فتجلله (¬4). وهو وهم من الطبري.
قال المصنف رحمه الله: وقد ذكر ابن إسحاق قصة البيعة مطولًا، فاختصرته، قال: لما توفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال الحباب بن المنذر: يا معاشر الأنصار، أمِّروا عليكم
¬__________
(¬1) "العقد" 4/ 259 - 260.
(¬2) أخرجه البخاري (7219).
(¬3) "مروج الذهب" 4/ 183.
(¬4) "تاريخ الطبري" 3/ 207.

الصفحة 270