الباب السابع والعشرون: في ذكر أخلاقه وتواضعه - صلى الله عليه وسلم -
قال أنس: خدمتُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - عشر سنين، فما قال لي: أفٍّ قطُّ، ولا لمَ صنعتَ، ولا أَلَا صنعتَ، ولا عابَ عليَّ شيئًا قطُّ (¬1).
وما صافحَه أحدٌ فنزعَ يدَه حتى يكونَ الرجلُ هو الذي يَنزِعُها من يدهِ، ولا صَرَفَ وجهَه عنه حتى يكونَ الرجلُ هو الذي يَصرِفُ وجهَه عنه (¬2).
وقال أنس: كنتُ أَمشي مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعليه بُردٌ نَجرانيٌّ غليظُ الحاشيةِ، فأَدركَه أعرابيٌّ، فجَبَذَه جَبْذَةً شديدةً، حتى رأيتُ صفحةَ عنقِ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - وقد أَثَّرت فيها حاشيةُ البردِ من شدَّةِ جَذْبتِهِ، وقال: يا محمدُ، أَعطني من مالىِ اللهِ الذي عِندَك، فالتَفَت إليه رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -، وضَحكَ، ثم أَمرَ له بعَطاءٍ. أخرجاه في "الصحيحين" (¬3).
وقال أنس: إن يهوديةً جعلت سمًّا في لحمٍ أَتت به رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - فأكَلَ منه، وقال: "إنَّها جَعلَت فيه سُمًّا"، قالوا: يا رسولَ الله، ألا تقتُلُها؟ قال: "لا"، قال فجعلتُ أعرِفُ ذلك في لَهوات رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - (¬4).
وقال أنس: لم يكن رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - سَبَّابًا، ولا لَعَّانًا، ولا فحَّاشًا، كان يقولُ لأحدِنا عند المعيبةِ: "ما لَه، تَرِبَتْ جَبينُه؟ " (¬5).
وللبخاري، عنه قال: إنْ كانَتِ الأمةُ من إماءِ المدينةِ لتأخذُ بيدِ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - فتَنطَلِقُ به حيثُ شاءت (¬6).
¬__________
(¬1) مسلم (2309)، وأحمد في "مسنده" (11974).
(¬2) أخرجه ابن سعد في "الطبقات" 1/ 325، والبيهقي 10/ 192.
(¬3) البخاري (3149)، ومسلم (1057).
(¬4) أخرجه مسلم (2190)، وأحمد في "مسنده" (13285).
(¬5) أخرجه البخاري (6031).
(¬6) أخرجه البخاري (6072).