كتاب مرآة الزمان في تواريخ الأعيان (اسم الجزء: 4)

الباب الثاني والثلاثون: في ذكر عيشه وفقره وقِصَر أمله ونحو ذلك
[قال أحمد بإسناده عن] قتادة قال: كنَّا نأتي أنسًا وخبَّازه قائم، فقال لنا ذات يوم: كلوا فما أعلمُ أنَّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - رَأى رَغيفًا مرقَّقًا بعينَيْه، ولا أكلَ شاةً سَمِيطًا قطُّ (¬1). ["السميط": المسموط عليه جلده، وهو من مأكول المترفين].
وروى البخاري: لم يأكل رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - على خِوانٍ قطُّ، ولا في سُكُرُّجَةٍ، ولا خُبز له خبز مرقق. [قال: فقال قتادة: فعلى ما كانوا يأكلون؟ قال: على السفر] (¬2).
وقال أنس: قد رهَنَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - درعًا له عند يهودي بالمدينةِ، وأخَذَ منه شعيرًا لأهلِه. قال: ولقد سمعته ذاتَ يومٍ يقول: "ما أَمْسَى عندَ آلِ محمدٍ صاعٌ من برًّ أو حبًّ"، وإنَّ عندَه تسعُ نسوةٍ يومئذٍ. انفرد بإخراجه البخاري (¬3).
وقال ابن عباس: قُبض رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - وإنَّ درعه مرهونةٌ عند يهودي على ثلاثين صاعًا من شعيرٍ أَخذها رِزقًا لأهله (¬4).
[وقال أحمد بإسناده] عن أنس: أنَّ فاطمةَ - عليها السلام - ناوَلَت رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - كِسْرَة من خُبزِ شَعيرٍ، فقال: "هذا أَولُ طعامٍ أَكَله أَبوكِ منذُ ثلاثةِ أَيامٍ" (¬5).
[وأخرجه محمد بن سعد عن هشام بن عبد الملك، وفيه]: فقال رسول الله: "يا بنية، ما هذه الكسرة؟ " فقالت: قرص خبزته. فلم تطب نفسي أن آكله، وذكره (¬6). وفيه قال أنس: وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يشدُّ صُلبه بالحجر من الغَرَث (¬7). وما كان طعامُهم إلاَّ الأسودان الماءُ والتمرُ (¬8). [و"الغرث": الجوع، فإن قيل: فلم سمي الماء والتمر أسودان؟
¬__________
(¬1) أخرجه أحمد في "مسنده" (12296) وهو في البخاري (5421)، والسَّميط: المشويّ، فعيل بمعنى مفعول. النهاية (سمط).
(¬2) أخرجه البخاري (5415).
(¬3) أخرجه البخاري (2069).
(¬4) أخرجه أحمد في "مسنده" (2109).
(¬5) أخرجه أحمد في "مسنده" (13223).
(¬6) "الطبقات" 1/ 344.
(¬7) "الطبقات" 1/ 344 من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -.
(¬8) أخرجه أحمد في "مسنده" (9259) من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -.

الصفحة 342