الباب الخامس والثلاثون: في طرفٍ من معجزاته - صلى الله عليه وسلم -
وهي ثلاثة أقسام:
قسمٌ خارج عن ذاته، وقسمٌ في ذاته، وقسمٌ في صفاته.
فأما ما هو خارجٌ عن ذاته، فكانشقاقِ القمرِ، وتسليمِ الحَجَر عليه، ونبعِ الماءِ من بين أصابعِه، وإشباعِ الخلقِ الكثيرِ من الطعامِ اليسيرِ، وحنينِ الجذْعِ إليه، وتسبيحِ الحَصَى في يدَيْه، وشهادة الشاةِ المصْليَّةِ أنَّها مسمومةٌ، وتظليل الغمامِ إِيَّاه قبل مبعثه، إلى غير ذلك.
قال أنس: سأل أهل مكة النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - أن يُريهم آيةً، فأرَاهم انشقاقَ القمرَ شِقَّتين حتى رأَوا حراء بينهما، فقالت قريش: سَحَركم ابنُ أبي كَبْشَة، سلوا السفار، فسألوهم فقالوا: نعم قد رأيناه، فأنزل الله تعالى: {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ (1)} (¬1) [القمر: 1].
وعن جابر بن سَمُرة، عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال: "إنَّي لأَعرِفُ حَجَرًا بمكةَ كانَ يُسلِّمُ عليَّ قبلَ أن أُبعثَ، إنِّي لأَعرِفُه الآن" انفرد بإخراجه مسلم (¬2).
وقال الإمام أحمد رحمه الله: حدَّثنا يحيى، عن عَوف، حدَّثنا أبو رجاء، عن عِمرانَ بن الحُصَين قال: كنَّا في سفر مع النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - فسَرَينا حتى إذا كنَّا في آخرِ اللَّيل وقَعْنَا وَقْعَةً ليسَ عند المسافرِ أَحلى منها، قال: فما أَيقَظَنا إلا حرُّ الشمسِ، وكان أولَ من اسْتَيقظَ فلانٌ ثم فلانٌ، يُسمِّيهم أبو رجاءٍ، ونسيهم عوفُ، ثم عمرُ بن الخطابِ، وكان رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - إذا نام لم نُوقِظه حتى يكون هو الذي يَستيقظُ، لأنَّا لا نَدري ما يَحدُثُ له في نومِه، فلما استَيقَظَ عمرُ ورَأَى ما أصابَ الناسَ وكان رجلًا أَجوَفَ (¬3)
¬__________
(¬1) أخرجه بهذا اللفظ الطيالسي في "المسند" (295)، والشاشي في "مسنده" (404)، واللالكائي في "أصول الاعتقاد" (1460) من حديث عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه -، أما حديث أنس فأخرجه البخاري (3868)، ومسلم (2802)، وأحمد في "مسنده" (13154).
(¬2) أخرجه مسلم (2277)، وأحمد في "مسنده" (20828).
(¬3) "أجوف": يخرج صوته من جوفه بقوة.