كتاب مرآة الزمان في تواريخ الأعيان (اسم الجزء: 4)

تحتَ رايةٍ عِمِّتَّةٍ، يغضَبُ لِعَصَبَتِه، أو يَنصرُ عَصَبَته فقُتلَ، فقتلتُه جاهليةٌ، ومَن خرَجَ على أُمَّتي يَضربُ بَرَّها وفاجِرَها، لا يَتحاشَى لمؤمنِها، ولا يَفِي لذي عَهدِها، فليسَ منَّي، ولستُ منه". انفرد بإخراجه مسلم (¬1).
معنى عِمِّية أي: الأمرُ لا يستبان جهتُه. قال الجوهري: وعمي عليه الأمرُ: الْتَبسَ، ومنه قوله تعالى: {فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الْأَنْبَاءُ يَوْمَئِذٍ} [القصص: 66] قال: وقولهم: ما أعماه، إنما يُراد به قلبه؛ لأنَّ ذلك ينسب إليه الكثيرُ الضلالِ، ولا يقال في عمَى العيونِ: ما أَعماه، ورجل أعمى القلبِ أي: جاهلٌ، وامرأةٌ عَمِية عن الصوابِ (¬2).
قوله - صلى الله عليه وسلم -: "من غشنا فليس منا" قال أحمد بإسناده عن أبي هريرة قال: مرَّ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - في السوقِ على صُبْرَةِ طعامٍ فأدخلَ يدَه فيها فنالَت أصابِعُه بلَلاً، فقال: "يا صاحِبَ الطعامِ، ما هذا؟ " فقال: يا رسولَ الله أَصابتهُ السماءُ، فقال: "أفَلا جَعلتَه فوقَه حتى يَراه الناس؟ " ثم قال "مَن غشَّنا فليسَ منَّا". انفرد بإخراجه مسلم (¬3).
وروي: أنَّ الله تعالى أَوحى إلى رسوله أن أدخل يدَكَ في الطعامِ (¬4).
وقال سفيان بن عيينة: إنَّما نهى عن الغشِّ لأنَّه من أخلاقِ اليهودِ.
وقوله: "ليس منا" أي: مثلنا، ولا أخلاقُه مثل أخلاقنا.
وقال ابن قتيبة: معنى "فليس منا" إشارة إلى الأنبياء - عليهم السلام - فإنهم منزهون عنه وكذا أمثالهم من العلماء.
قوله - عليه السلام -: "نِعمَ الإدامُ الخلُّ" قال أحمد بإسناده عن جابر بن عبد الله أنَّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - سألَ أهلَه الإدامَ، فقالوا: ما عندنا إلَّا خلٌّ، فدعا به وجعلَ يأكلُ منه ويقول: "نِعمَ الإدامُ الخلُّ". انفرد بإخراجه مسلم. وفي رواية "المسند": "ما أفقَرَ بيتٌ فيه الخلُّ" وأخرجه الترمذي (¬5).
¬__________
(¬1) أخرجه أحمد في "مسنده" (8061)، ومسلم (1848).
(¬2) " الصحاح": (عمي).
(¬3) أخرجه أحمد في "مسنده" (9396)، ومسلم (102).
(¬4) أخرجه أحمد في "مسنده" (7292).
(¬5) أخرجه أحمد في "مسنده" (14807)، ومسلم (2052)، وأخرجه الترمذي (1841) من حديث أم هانئ - رضي الله عنها -.

الصفحة 365