كتاب مرآة الزمان في تواريخ الأعيان (اسم الجزء: 4)

وأخرج عن ابن عباس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "ألا أُخبِرُكم بخَيرِ نسائِكُم من أَهلِ الجنةِ؟ " قالوا: بلى، قال: "الوَدُودُ الوَلُودُ العَؤودُ على زوجِها، التي إذا أُذيت أخذَتْ بيدِ زوجِها وقالَت: والله لا أَطعَمُ حتى ترضى" (¬1).
وقد بينا فضل النكاح على العبادة فيما تقدم.
قوله - عليه السلام -: "أَفضلُ الجهادِ كلمةُ حقًّ عند سُلطانٍ جائرٍ".
قال الترمذي بإسناده عن أبي سعيد الخدري عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "إنَّ مِن أَعظَمِ الجهادِ كلمةُ عَدلٍ عند سُلطانٍ جائرٍ" (¬2). قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه، وفي الباب عن أبي أمامة.
قال: إنما كان ذلك أفضل الجهاد، لأن من جاهد العدو وكان مترددًا بين الخوف والرجاء لا يدري أيغلب أم يُغلب، والمجاهد للسلطان الجائر مقهورٌ في يده، لأنَّه متى أمره بمعروف ونهاه عن منكر فقد عرَّض نفسه للتلف، قال أبو حنيفة رحمه الله تعالى: حدَّثت بهذا الحديث إبراهيم بن طَهمان، فقال: اكتبه لي، فكتبتُه، فانصرف إلى خراسان، فدخل على أبي مسلم، فنهاه، وأَمره، وذكر له هذا الحديث، فقال له أبو مسلم: قد قَبلنا قولَك فهل لك أن تَجلِسَ في بيتك؟ فقال: لا، وذكر الحديث، فقال له ثانيًا: هل لك أن تجلس في بيتك؟ فقال: لا، وذكر له الحديث، فأمر بقتله، فاختَصَم فيه ثلاثة، فقال إبراهيم: لا تَختصموا كلُّكم شريكٌ، فضربه رجلٌ فلم يُجدِ الضربُ، فبقي حلقومه معلقًا فرموه في بئر، فكانوا يسمعون أنينه ثلاثة أيام.
قوله - عليه السلام -: "خيرُ الصدقةِ ما كانَ على ظهر غِنى".
قال أبو داود بإسناده عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال: كنَّا عند رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - إذا برجلٍ جاءَ بمثل بيضةِ ذهبٍ، فقال: يا رسولَ الله، أصبتُ هذهِ في معدنٍ فخذها، فهي صدقةٌ ما أَملك غيرَها، فأعرض عنه رسولُ الله، ثم أَتاه من قِبَلِ رُكْنِه الأَيمنِ، فقال مثلَ
¬__________
= التَّبَتل نهيًا شديدًا، ويقول: تزوجوا الولود .... ".
(¬1) أخرجه النسائي في "الكبرى" (9139).
(¬2) الترمذي (2174)، وأخرجه أبو داود (4344)، وابن ماجه (4011).

الصفحة 368