أبلغ النعم، والغفلة عن شكرها من جملة النقم فما وجهٌ من أفقه الطب للشرع.
وقد ورد الشرع بأشياء تنافي الطب منها قوله - عليه السلام -: "الحمَّى من فيحِ جهنَّم فابرِدوها بالماءِ" (¬1) والماء من أضر الأشياء على المحموم، لأن الاغتسال به يحقن الحرارة في باطن بدنه فيقع الهلاك في نظائر كثيرة، قلنا: قوله - عليه السلام - "ابرُدوها بالماءِ" لا يطَّرد في جميع البلادِ، فإن البلدان الباردة لا يصلحُ فيها ذلك، وإنما هو خطاب لأهل الحجازِ ومَن بلادهم حارة، وهذا الجواب عما يرد في هذا الباب.
ومنها: اختلافُ العلماءِ هل التداوي أفضل أم تركه؟ ذهب قوم إلى أن التداوي أفضل لمن توكل على الله، واحتجوا بقوله تعالى: {وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} [الأنفال: 2] وبحديث عمران بن الحصين قال أحمد: حدّثنا يزيدُ بن هشام، عن الحسن، عن عمران بن الحصين، أن رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "يدخلُ الجنةَ من أُمتي سبعونَ ألفًا بغيرِ حِسابٍ، الذين لا يَكتَوون، ولا يَسترقون، ولا يَتَطيَّرون وعلى ربِّهم يتوكَّلونَ" قال: فقام عكَّاشة فقال: يا رسول الله، ادْعُ الله تعالى أن يَجعلَني منهم، فقال: "أَنتَ منهم" فقام آخر فقال: أنا كذلك، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "سبَقَكَ بها عُكَّاشةُ". انفرد بإخراجه مسلم (¬2).
وقيل: لأبي بكر - رضي الله عنه - أَلا تَتدَاوى؟ في مرضه فقال: الطبيبُ أَمرضني. وقد كان جماعة من السلف على هذا المذهب.
وقال قوم: التداوي أفضلُ لقوله - عليه السلام -: "تَدَاوَوا" والأمر للوجوب، وعامةُ السلفِ تَداوَوا، وقد كان - صلى الله عليه وسلم - يَتَداوى على ما ذكرناه.
قوله - عليه السلام -: "الجنَّةُ تحتَ أَقدامِ الأمهاتِ".
أنبأنا جدِّي رحمه الله بإسناده عن أنس بن مالكٍ قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "الجنَّةُ تحتَ أقدامِ الأمهاتِ" ذكَره جدِّي في كتاب "بر الوالدين" (¬3).
¬__________
(¬1) أخرجه البخاري (3262)، ومسلم (2210) من حديث عائشة - رضي الله عنها -.
(¬2) أخرجه أحمد في "مسنده" (19913)، ومسلم (218).
(¬3) أخرجه أبو الشيخ في "طبقات المحدثين بأصبهان" 3/ 568، والقضاعي في "مسند الشهاب" (119).