كتاب مرآة الزمان في تواريخ الأعيان (اسم الجزء: 4)

واختلفوا في معناه على قولين:
أحدهما: أن معنى السفر الظاهر سفر الدنيا {هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ} [يونس: 22] وفيه مشاهدة آثار الأنبياء والعلماء، والربح في التجارة وعجائب الدنيا، والإسفار عن أخلاق الرجال بين كريم يسخو ولئيم يشح.
والثاني: أن المرادَ به السفر الباطن، وقد أشارت إليه رابعة قالت: سافروا بقلوبكم إلى عالم الملكوت لترجعوا بأخبار الغيب والشهادة، وعلى هذا الصوم، فإنه من حيث الظاهر يصحح البدن، وفي الباطن صوموا بقلوبكم عن الدنيا تصحوا عما سوى الآخرة.
قوله - صلى الله عليه وسلم -: "زُرْ غِبًّا تَزدَدْ حُبًّا".
أخرجه جدي في "الواهية" عن أبي هريرة قال: خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من بيت عائشة، فتبعتُه فالْتَفت إليَّ وقال: "يا أَبا هُريرةَ، زُرْ غِبًّا تَزدَدْ حبًّا" (¬1).
قال أبو القاسم الوراق في شرح "الشهاب": لما قال رسول الله لأبي هريرة ذلك، قالت عائشة: يا أبا هريرة، أكثرت من زَوْرِك فمَلَّك، ودمت في ذاك فاستقلك، لو كنت ممن يزور غبًا أثر في قلبه محلك، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يا عائشةُ، والله ما مَللناهُ ولا قللناهُ، ولكن أَدّبناه".
قوله - عليه السلام -: "اطلبُوا الخيرَ عندَ حِسانِ الوُجوهِ" (¬2).
قوله - صلى الله عليه وسلم -: "تخيَّروا لنُطَفِكُم" (¬3) قيل: إنه موقوف على علي - عليه السلام -، وفيه: "فإنَّ العِرقَ دسَّاس" (¬4).
¬__________
(¬1) "العلل المتناهية" (1237)، وأخرجه القضاعي في مسند الشهاب (629).
(¬2) أخرجه أبو يعلى في "مسنده" (4759) من حديث عائشة - رضي الله عنها -.
(¬3) أخرجه ابن ماجه (1968).
(¬4) لم نقف عليه من حديث علي، وأخرج ابن عدي في "الكامل" 6/ 178، والقضاعي في "مسند الشهاب" (638)، وابن الجوزي في "العلل المتناهية" (1007) من حديث ابن عمر - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوصي رجلًا: "يا فلان، أقِلَّ من الذين تعش حرًّا، وأقِلَّ من الذنوب يهن عليك الموت، وانظر في أي نصاب تضع ولدك فإن العرق دساس".

الصفحة 393