كتاب مرآة الزمان في تواريخ الأعيان (اسم الجزء: 4)

قال أبو عبيدة: معناه: لا تجعلوا نطفكم إلا في محل طاهر، ولا خلاف في كراهية ابن العاهر، وقال أبو سليمان: معنى "العرق دساس" لئلا يدب الزنا في عروقه، قال الله تعالى: {وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا} فقضى بفساد الأصل على فساد الفرع.
قوله - عليه السلام -: "لا يَنبغي للمؤمن أن يذل نفسه" (¬1) غريب، ومعناه أنه لا يتعرض لما يعجز عنه فيكون له سببًا لهوانه، قال الشاعر: [من الطويل]
وأكرمُ نفسي إنَّني إن أَهنتُها ... وحقَّك لا تُكرم على أحدٍ بعدي
ولهذا البيت حكاية نذكرها فيما بعد.
قوله: "استَغنُوا عن الناسِ ولو بشَوصِ السَّواكِ" (¬2).
أصل الشوصِ الغسل وكذا المَوْصُ، قالت عائشة: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يشوصُ فاه بالسّواكِ (¬3). وشوصُ السواك الشظية التي تكون بين الأسنان لا ينتفع بها، أشار - صلى الله عليه وسلم - إلى القناعة باليسير.
قوله - عليه السلام -: "الْتَمِسوا الجارَ قبلَ الدار" (¬4) غريب.
وفيه حث على مجاورة الجار الحسن، والهرب من الجار السوء.
قوله - عليه السلام -: "لا يحلُّ لمسلم أن يَهجُرَ أَخاه فوقَ ثلاثةِ أيامٍ، إلاَّ أن يكون مِمَّن لا تؤمَنُ بوائقُه".
أخرجه جدي في "الواهية"، وقال أحمد بن حنبل: لا يصح هذا الحديث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو كذب (¬5).
قلت: وكيف يكون هذا الحديث كذبًا وقد أَخْرَجا في "الصحيحين" عن أنس،
¬__________
(¬1) أخرجه الترمذي (2254)، وابن ماجه (4016) من حديث حذيفة - رضي الله عنه -.
(¬2) أخرجه الطبراني في "الكبير" (12257)، والقضاعي في "مسند الشهاب" (687) من حديث ابن عباس - رضي الله عنهما -.
(¬3) لم نقف عليه بهذا اللفظ من حديث عائشة، وأخرجه بهذا اللفظ البخاري (245)، ومسلم (255) من حديث حذيفة - رضي الله عنه -.
(¬4) أخرجه الطبراني في "الكبير" (4379)، والقضاعي في "مسند الشهاب" (709).
(¬5) العلل المتناهية" (1252)، وأما كلام الإمام أحمد فإنكاره على قوله: إلا أن يكون ممن لا تؤمن بوائقه" انظر "البدر المنير" 9/ 472.

الصفحة 394