كتاب مرآة الزمان في تواريخ الأعيان (اسم الجزء: 4)

بي؛ حمَّلْتني دَيْنَكَ وعيالَكَ وجئت تريدُ قتلي، فقال: أبا وهب، جُعِلْتُ فِداكَ جئتك من عندِ أَبرِّ النَّاس وأوصلِ الناس وقد أَمَّنَك، فقال: والله لا أرجع معك حتَّى تأتيني بعلامةٍ أَعْرِفُها، فرجع وقال: يا رسول الله قال كذا وكذا، فقال: "خذ عِمامتي" وهي البُرْدَةُ التي دخل بها رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يوم الفتح مُعْتَجِرًا بها، فعاد بها إليه فجاء معه فوافى النَّبي - صلى الله عليه وسلم - وهو يُصلِّي العصرَ، فوقف حتَّى سلَّم وناداه: يا محمد إن هذا جاء ببردك وزعم أنك أَمَّنْتَني فقال: "نعم أَبا وهب"، فأقام مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على حاله حتَّى خرج معه إلى هَوازن وهو كافِرٌ.
وأرسل إليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يستعير سلاحًا، فقال: أطَوْعًا أو كُرْهًا؟ قال: "بل عارِيَّة مؤداة" فأعاره مئة دِرْعٍ وسلاحًا وحمله إلى حنين وشهد حنَيْنًا والطائِفَ وهو على شركه، ثم رجع إلى الجِعْرانة، فبينما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يسير في الغنائم ينظر إليها وصفوان معه، فجعل ينظر إلى شِعْبٍ مُلئ نَعَمًا وشاءً ورِعاءً، فأدام النظر إليه ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - يرمُقه فقال: "أبا وَهبٍ، يُعجبُكَ هذا الشِّعْبُ؟ " قال: نعم فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "هُوَ لَكَ وما فِيهِ"، فقال صفوان عند ذلك: ما طابت نفسُ أحدٍ بمثل هذا إلا نفسُ نبي، أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، وأسلم مكانه (¬1).
وكانت تحته فاختةُ بنت الوليد بن المغيرة، فأسلمت قبله ففرَّقَ الإسلامُ بينهما، فلما أسلم رُدَّت عليه بالنِّكاح الأول (¬2)، وقيل: بنكاحٍ جديد.
وأمَّا عبدُ الله بنُ خَطَل فقال أنس: دخل النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - يومَ الفتح مكَّة وعلى رأسه المِغْفَرُ، فلما نزعه جاءه جبريل فقال: ابن خَطَل متعلق بأستار الكعبة، فقال: "اقْتُلُوه" فقتلوه (¬3).
قال أبو بَرْزَةَ الأسلمي: أخرجتُه من بين أَستار الكعبةِ فضربت عنقه بين الركن والمقام، وهربت قَيْنتاه، فقُتِلَت إحداهما وعاشت الأخرى إلى زمن عثمان رضوان الله
¬__________
(¬1) "المغازي" 2/ 853، و"الطبقات" 6/ 111 - 112، و"أنساب الأشراف" 1/ 435، و"المنتظم" 5/ 332، و"تاريخ دمشق" 24/ 112، و"السيرة الشامية" 5/ 379 - 380.
(¬2) "الطبقات" 6/ 111.
(¬3) أخرجه البخاري (1846)، ومسلم (1357).

الصفحة 90