كتاب اللؤلؤ المكنون في سيرة النبي المأمون (اسم الجزء: 4)
قَالَ: كَانَتِ العَرَبُ تَلَوَّمُ (¬1) بِإِسْلَامِهِمُ الفَتْحَ، فَيَقُولُونَ: اتْرُكُوهُ وَقَوْمَهُ، فَإِنَّهُ إِنْ ظَهَرَ عَلَيْهِمْ فَهُوَ نَبِيٌّ صَادِقٌ، فَلَمَّا كَانَتْ وَقْعَةُ أَهْلِ الفَتْحِ بَادَرَ كُلُّ قَوْمٍ بِإِسْلَامِهِمْ (¬2).
وَقَالَ ابنُ إِسْحَاقَ: وَإِنَّمَا كَانَتِ العَرَبُ تَرَبَّصُ بِالإِسْلَامِ أَمْرَ هَذَا الحَيِّ مِنْ قُرَيْشٍ، وَأَمْرَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-، وَذَلِكَ أَنَّ قُرَيْشًا كَانُوا إِمَامَ النَّاسِ وَهَادِيهِمْ، وَأَهْلَ البَيْتِ الحَرَامِ، وَصَرِيحَ (¬3) وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ بنِ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ، وَقَادَةَ العَرَبِ لَا يُنْكَرُونَ ذَلِكَ، وَكَانَتْ قُرَيْشٌ هِيَ التِي نَصَبَتْ (¬4) لِحَرْبِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- وَخِلَافِهِ، فَلَمَّا افْتُتِحَتْ مَكَّةُ، وَدَانَتْ لَهُ قُرَيْشٌ، وَدَوَّخَهَا (¬5) الإِسْلَامُ، وَعَرَفَتِ العَرَبُ أَنَّهُ لَا طَاقَةَ لَهُمْ بِحَرْبِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- وَلَا عَدَاوَتِهِ، فَدَخَلُوا فِي دِينِ اللَّهِ، كَمَا قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {أَفَوَاجًا} (¬6)، يَضْرِبُونَ إِلَيْهِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ (¬7).
وَسَنُفَصِّلُ أَمْرَ دُخُولِ النَّاسِ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا عِنْدَ الحَدِيثِ عَنْ عَامِ الوُفُودِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ.
¬__________
(¬1) قَالَ الحَافِظُ فِي الفَتْحِ (8/ 338): تلوّم: بفتح التاء واللام وتشديد الواو: أي تنتظر.
(¬2) أخرجه البخاري في صحيحه - كتاب المغازي - باب (54) - رقم الحديث (4302).
(¬3) الصَّرِيح: الخالص من كل شيء. انظر النهاية (3/ 19).
(¬4) يُقال: ناصبه الشر والحرب: أظهره له. انظر لسان العرب (14/ 156).
(¬5) دَوَّخها: أذلها. انظر النهاية (2/ 129).
(¬6) الفوج: الجماعة من الناس. انظر النهاية (3/ 429).
(¬7) انظر سيرة ابن هشام (4/ 214).
الصفحة 107