كتاب اللؤلؤ المكنون في سيرة النبي المأمون (اسم الجزء: 4)

بنُ بَكْرٍ -وَهُمُ الذِينَ اسْتُرْضِعَ فِيهِمْ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- وَنَاس مِنْ هِلَالٍ، وَفِي بَنِي جُشْمٍ رَجُل يُقَالُ لَهُ "دُرَيْدُ بنُ الصِّمَّةِ" (¬1) شَيْخٌ كَبِير قَدْ عَمِيَ، لَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ إِلَّا التَّيَمُّنُ (¬2) بِرَأْيِهِ، ومَعْرِفَتُهُ بِالحَرْبِ، وَكَانَ شُجَاعًا مُجَرِّبًا، وَفِي ثَقِيفٍ سَيِّدَانِ لَهُمْ، فِي الأَحْلَافِ: قَارِبُ بنُ الأَسْوَدِ، وَفِي بَنِي مَالِكٍ: ذُو الخِمَارِ سُبَيْعُ بنُ الحَارِثِ، وَأَخُوهُ أَحْمَرُ بنُ الحَارِثِ، وَقَدْ بَلَغَ جَيْشُ الكُفَّارِ عِشْرِينَ أَلْفًا، وَكَانَ جِمَاعُ أَمْرِ النَّاسِ إِلَى مَالِكِ بنِ عَوْفٍ النَّصْرِيِّ (¬3)، وَهُوَ يَوْمَئِذٍ ابنُ ثَلَاثِينَ سَنَةً.
فَلَمَّا أَجْمَعَ مَالِكُ بنُ عَوْفٍ السَّيْرَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- أمَرَ النَّاسَ أَنْ يَسُوقُوا مَعَهُمْ أَمْوَالَهُمْ، وَنِسَاءَهُمْ، وَأَبْنَاءَهُمْ، فَسَارَ بِهِمْ حَتَّى نَزَلُوا بِأَوْطَاسَ (¬4).

* نَصِيحَةُ دُرَيْدِ بنِ الصِّمَّةِ وَتَنْظِيمُ مَالِكٍ جَيْشَهُ:
وَلَمَّا نَزَلَ مَالِكُ بنُ عَوْفٍ بِأَوْطَاسَ اجْتَمَعَ إِلَيْهِ النَّاسُ وَفِيهِمْ: دُرَيْدُ بنُ الصِّمَّةِ، فَقَالَ دُرَيْدٌ لِلنَّاسِ: بِأَيِّ وَادٍ أَنْتُمْ؟ .
قَالُوا: بِأَوْطَاسَ، فَقَالَ: نِعْمَ مَجَالُ الخَيلِ، لَا حَزْنَ (¬5) ضِرْسٍ (¬6)، وَلَا
¬__________
(¬1) دُريد: بضم الدال، والصِمة: بكسر الصاد وتشديد الميم. انظر فَتح الباري (8/ 362).
(¬2) التيمن: بتشديد الميم: أي الابتداء فِي أخذ رأيه. انظر لسان العرب (15/ 457).
(¬3) أسلم مالك بن عوف -رضي اللَّه عنه- بعد ذلك، وكان من المؤلفة قلوبهم، وصحب رَسُول اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-، ثم شهد القادسية، وفتح دمشق. انظر الإصابة (5/ 550).
(¬4) انظر سيرة ابن هشام (4/ 87) - زاد المعاد (3/ 408).
(¬5) الحَزْن: ما غلظ من الأرض فِي ارتفاع. انظر لسان العرب (3/ 159).
(¬6) الضِّرس: بكسر الضاد وسكون الراء ما خشن من الآكام، والآكام: هو الموضع الذي أشد ارتفاعًا مما حوله، وهو غليظ لا يبلغ أن يكون حجرًا. انظر لسان العرب (1/ 173).

الصفحة 109