كتاب اللؤلؤ المكنون في سيرة النبي المأمون (اسم الجزء: 4)

فَلَمَّا أَصْبَحُوا خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- إِلَى مُصَلَّاهُ، فَرَكَعَ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ قَالَ: "هَلْ أَحْسَسْتُمْ فَارِسَكُمْ؟ "، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا أَحْسَسْنَاهُ، فَثُوِّبَ (¬1) بِالصَّلَاةِ، فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- وهُوَ يُصَلِّي يَلْتَفِتُ إِلَى الشِّعْبِ، حَتَّى إِذَا قَضَى صَلَاتَهُ وَسَلَّمَ، قَالَ: "أَبْشِرُوا فَقَدْ جَاءَكُمْ فَارِسُكُمْ"، فَجَعَلْنَا نَنْظُرُ إِلَى خِلَالِ الشَّجَرِ فِي الشِّعْبِ، فَإِذَا هُوَ قَدْ جَاءَ، حَتَّى وَقَفَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-، فَسَلَّمَ، فَقَالَ: إِنِّي انْطَلَقْتُ حَتَّى كُنْتُ فِي أَعْلَى هَذَا الشِّعْبِ حَيْثُ أَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-، فَلَمَّا أَصْبَحْتُ طَلَعْتُ الشِّعْبَيْنِ كِلَيْهِمَا، فنَظَرْتُ فَلَمْ أَرَ أَحَدًا، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "هَلْ نزلْتَ اللَّيْلةَ؟ "، قَالَ: لَا، إِلَّا مُصَلِّيًا، أَوْ قَاضِيًا حَاجَةً.
فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "قَدْ أَوْجَبْتَ (¬2)، فَلَا عَلَيْكَ أَنْ لَا تَعْمَلَ بَعْدَهَا" (¬3).
ثُمَّ أَكْمَلَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- بجَيْشِهِ حَتَّى وَصَلَ إِلَى حُنَيْنٍ مَسَاءَ لَيْلَةِ الثُّلَاثَاءِ لِعَشْرِ لَيَالٍ خَلَوْنَ مِنْ شَوَّالٍ.
¬__________
(¬1) التثويب: إقامة الصلاة. انظر النهاية (1/ 220).
(¬2) يُقال: أوجب فلان: إذا فعل فعلًا وجبت له به الجنة، أو النار، والمراد به هاهنا: الجنة. انظر جامع الأصول لابن الأثير (8/ 384).
(¬3) أخرج ذلك أبو داود في سننه - كتاب الجهاد - باب في فضل الحرس فِي سبيل اللَّه تَعَالَى - رقم الحديث (2501) - والحاكم في المستدرك - كتاب الإمامة وصلاة الجماعة - باب الالتفات في الصلاة - رقم الحديث (900) - وأورده ابن الأثير في جامع الأصول - رقم الحديث (6157) - وإسناده حسن، كما قَالَ الحَافِظُ فِي الفَتْحِ (8/ 343) - وقال في الإصابة (1/ 280): إسناده على شرط الصحيح.

الصفحة 117