كتاب اللؤلؤ المكنون في سيرة النبي المأمون (اسم الجزء: 4)

* شَيْبَةُ بنُ عُثْمَانَ يُرِيدُ قَتْلَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-:
وَلَمَّا رَأَى شَيْبَةُ بنُ عُثْمَانَ بنِ أَبِي طَلْحَةَ -وَقَدْ قُتِلَ أَبُوهُ يَوْمَ أُحُدٍ كَافِرًا- رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-، قَدِ انْهَزَمَ عَنْهُ أَصْحَابُهُ إِلَّا نَفَرًا قَلِيلًا، قَالَ: اليَوْمَ أُدرِكُ ثَأْرِي مِنْ مُحَمَّدٍ.
وَفِي رِوَايَةٍ: أَنَّهُ خَرَجَ إِلَى حُنَيْنٍ مَعَ أَهْلِ مَكَّةَ -وَهُمُ الطُّلَقَاءُ- وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يُصِيبَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- غِرَّةً (¬1) فَيَثْأَرَ مِنْهُ، وَكَانَ يَقُولُ: لَوْ لَمْ يَبْقَ مِنَ العَرَبِ وَالعَجَمِ أَحَدٌ إِلَّا اتّبعَ مُحَمَّدًا مَا اتَّبعْتُهُ أبَدًا.
فَجَاءَ رَجُلٌ عَنْ يَمِينهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-، فَإِذَا هُوَ العَبَّاسُ بنُ عَبْدِ المُطَّلِبِ -رضي اللَّه عنه-، فَقَالَ: عَمُّهُ وَلَنْ يَخْذُله، ثُمَّ جَاءَهُ عَنْ يَسَاره فَإِذَا هُوَ بِأَبِي سُفْيَانَ بنِ الحَارِثِ -رضي اللَّه عنه-، فَقَالَ: ابنُ عَمِّهِ وَلَنْ يَخْذُله، ثُمَّ جَاءَهُ مِنْ خَلْفِهِ، فَمَا بَقِيَ إِلَّا أَنْ يَضْرِبَهُ بِالسَّيْفِ إِذْ رُفِعَ له شُوَاظٌ (¬2) مِنْ نَارٍ كَالبَرقِ كَادَ أَنْ يُخرِقَهُ، فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَى بَصَرِهِ وَمَشَى القَهْقَرَى (¬3)، قَالَ شَيْبَةُ: فَعَلِمتُ أنَّهُ ممنُوع.
وَالْتَفَتَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- وَقَالَ: "يَا شَيْبُ يَا شَيْبُ! ادنُ مِنِّي"، فَدَنَا، فَمَسَحَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- صَدْرَهُ، ثُمَّ قَالَ: "اللَّهُمَّ أَذْهِبْ عَنْهُ الشَّيْطَانَ".
قَالَ شَيْبَةُ: فَرَفَعْتُ إِلَيْهِ بَصَرِي، وَلَهُوَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ سَمْعِي وَبَصَرِي وَنَفْسِي، وَأَذْهَبَ اللَّهُ مَا كَانَ ليَّ، فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "يَا شَيْبُ! قَاتِلِ الكُفَّارَ".
¬__________
(¬1) الغِرَّة: الغفلة. انظر النهاية (3/ 318).
(¬2) الشُوَاظ: اللهب الذي لا دخان فيه. انظر لسان العرب (7/ 237).
(¬3) القَهْقَرى: هو المشي إلى الخلف من غير أن يعيد وجهه إلى جهة مشيه. انظر النهاية (4/ 113).

الصفحة 124