كتاب اللؤلؤ المكنون في سيرة النبي المأمون (اسم الجزء: 4)

قَالَ شَيْبَةُ: فتَقَدَّمْتُ أَمَامَهُ، أَضْرِبُ بِسَيْفِي، واللَّهُ يَعلَمُ أنَي أُحِبُّ أَنْ أَقِيَهُ بِنَفْسِي، وَلَوْ لَقِيتُ تِلْكَ السَّاعَةَ أَبِي لَوْ كَانَ حَيًّا لَأَوْقَعتُ بِهِ السَّيْفَ، فَجَعَلْتُ أَلْزَمُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-.
فَلَمَّا انْهَزَمَ المُشْرِكُونَ، وَرَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- إِلَى مُعَسْكَرِهِ، وَدَخَلَ خِبَاءَهُ، دَخَلَ عَلَيْهِ شَيْبَةُ محبًا لِرُؤْيَةِ وَجْهِهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- وَسُرُورًا بِهِ، فَلَّما رَآه رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-، قَالَ له: "يَا شَيْبُ! الذِي أَرَادَ بِكَ اللَّه خَيْرًا مِمَّا أَرَدتَ بِنَفْسِكَ"، ثُمَّ حَدَّثَهُ شَيْبَةُ بِكُل مَا أَضْمَرَهُ فِي نَفْسِهِ مِمَّا لَمْ يَكُنْ ذَكَرَهُ لِأَحَدٍ قَطُّ، ثُمَّ قَالَ شَيْبَةُ: فَإِنِّي أَشْهدُ أَنْ لَا إِلَه إِلَّا اللَّهُ، وَأَنّكَ رَسُولُ اللَّهِ، ثُمَّ قُلْتُ لَهُ -صلى اللَّه عليه وسلم-: استِغْفِر لِي، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "غَفَرَ اللَّهُ لَكَ" (¬1).

* رُجُوعُ المُسْلِمِينَ وَانْهِزَامُ الكُفَّارِ:
ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- لِعَمِّهِ العَبَّاسِ -رضي اللَّه عنه-، وَكَانَ رَجُلًا صَيِّتًا (¬2): "يا عَبَّاسُ! نَادِ أَصْحَابَ السَّمُرَةِ" (¬3).
¬__________
(¬1) أخرج قِصَّة شيبة: ابن أبي خيثمة عن مصعب النميري - وابن إسحاق في السيرة (4/ 94) بمعناه - وكذا أخرجه ابن سعد في طبقاته (8/ 509) عن الواقدي - وكذا ساقه البغوي بإسناد آخر عن شيبة - وأبو نعيم في دلائل النبوة (1/ 195) - والبيهقي في دلائل النبوة (5/ 145) وفي سنده أبو بكر الهذلي، وهو متروك.
(¬2) صَيِّتًا: أي شديد الصوت عاليه. انظر النهاية (3/ 60).
(¬3) أخرج ذلك مسلم في صحيحه - كتاب الجهاد والسير - باب في غزوة حنين - رقم الحديث (1775) - والإمام أحمد في مسنده - رقم الحديث (1775).
قال الإمام النووي في شرح مسلم (12/ 98): السَّمُرة: بفتح السين وضم الميم: وهي =

الصفحة 125