كتاب اللؤلؤ المكنون في سيرة النبي المأمون (اسم الجزء: 4)

فَقَدْ أَخْرَجَ الشَّيْخَانِ فِي صَحِيحَيْهِمَا عَنْ أَبِي مُوسَى -رضي اللَّه عنه- أَنَّهُ قَالَ: لَمَّا فَرَغَ رَسُول اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- مِنْ حُنَيْنٍ بَعَثَ أَبَا عَامِرٍ عَلَى جَيْشٍ إِلَى أَوْطَاسٍ، فَلَقِيَ دُرَيْدَ بنَ الصِّمَّةِ فَقُتِلَ (¬1) دُرَيْدٌ، وهزَمَ اللَّه أَصحَابَهُ، قَالَ أَبُو مُوسَى -رضي اللَّه عنه-: وَبَعَثَنِي مَعَ أَبِي عَامِرٍ فَرُمِيَ أَبُو عَامِرٍ فِي رُكْبَتِهِ، رَمَاهُ جُشَمِيٌّ (¬2) بِسَهْمٍ فَأَثْبَتَهُ فِي رُكْبَتِهِ، فَانْتَهَيْتُ إِلَيْهِ، فَقُلْتُ: يَا عَمِّ مَنْ رَمَاكَ؟ .
فَأَشَارَ إِلَى أَبِي مُوسَى، فَقَالَ: ذَاكَ قَاتِلِي الذِي رَمَانِي، فَقَصَدْتُ لَهُ فَلَحِقْتُهُ، فَلَمَّا رَآنِي وَلَّى فَاتَّبَعْتُهُ، وَجَعَلْتُ أَقُولُ لَهُ: أَلَا تَسْتَحِي أَلَّا تَثْبُتَ، فَكَفَّ، فَاخْتَلَفْنَا ضَربَتَيْنِ بِالسَّيْفِ فَقَتَلْتُهُ، ثُمَّ رَجَعتُ إِلَى أَبِي عَامِرٍ، فَقُلْتُ: إِنَّ اللَّهَ قَدْ قَتَلَ صَاحِبَكَ، قَالَ: فَانْزِعْ هَذَا السَّهْمَ، فنَزْعْتُهُ فَنَزَا (¬3) مِنْهُ المَاءُ، فَقَالَ: يَا ابْنَ أَخِي، انْطَلِقْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- فَأَقْرِئْهُ مِنِّي السَّلَامَ، وَقُلْ لَهُ: يَقُولُ لَكَ أَبُو عَامِرٍ: اسْتَغْفِر لِي.
قَالَ أَبُو مُوسَى -رضي اللَّه عنه-: وَاسْتَعمَلَنِي أَبُو عَامِرٍ عَلَى النَّاسِ، ومَكَثَ يَسِيرًا، ثُمَّ إنَّه مَاتَ، فَلَمَّا مَاتَ رَجَعْتُ إِلَى النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، فَدَخَلْتُ عَلَيْهِ، وَهُوَ فِي بَيْتٍ عَلَى
¬__________
= قَالَ الحَافِظُ فِي الفَتْحِ (8/ 362) والأول -أي رواية الشيخين في صحيحيهما- أشهر.
(¬1) اختلف في قاتِلِ دُرَيد بن الصِّمَّة: فعند ابن إسحاق في السيرة (4/ 103): أنه ربيعة بن رفيع السُلمي.
وأورد الحافظ في الفتح (8/ 362): بأن قاتله هو الزبير بن العوام -رضي اللَّه عنه-، وساق الحديث، وقد رواه البزار بإسناد حسن، وهو الصحيح.
(¬2) قَالَ الحَافِظُ فِي الفَتْحِ (8/ 363): جُشمي: بضم الجيم وفتح الشين: أي رجل من جُشم.
(¬3) قَالَ الحَافِظُ فِي الفَتْحِ (8/ 363): فنزا: أي انصب.

الصفحة 136