كتاب اللؤلؤ المكنون في سيرة النبي المأمون (اسم الجزء: 4)

وَهذَا أَوَّلُ مَنْجَنِيقٍ يُرْمَى بِهِ فِي الْإِسْلَامِ، كَمَا نَثَرَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- الْحَسَكَ (¬1) حَوْلَ الْحِصْنِ.
ثُمَّ أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- يَحُثُّ أَصْحَابَهُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ عَلَى الرَّمْي، فَقَدْ أَخْرَجَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ وَالتِّرْمِذِيُّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَلَى شَرطِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي نَجِيحٍ (¬2) السُلَمِيِّ -رضي اللَّه عنه- قَالَ: حَاصَرنَا مَعَ النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- حِصْنَ الطَّائِفِ، فَسَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- يَقُولُ: "مَنْ بَلَغَ بِسَهْمٍ فَلَهُ دَرَجَةٌ فِي الْجَنَّةِ، وَمَنْ رَمَى بِسَهْمٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَهُوَ لَهُ عَدلُ مُحَرَّرٍ (¬3)، وَمَنْ شَابَ شَيْبَةً فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَانَتْ لَهُ نُورًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ".
قَالَ أَبُو نَجِيحٍ -رضي اللَّه عنه-: فَبَلَغْتُ يَوْمَئِذٍ سِتَّةَ عَشَرَ سَهْمًا (¬4).
وَلَمَّا كَانَ الْقِتَالُ تَرَاشُقًا بِالسِّهامِ عَنْ بُعْدٍ، اسْتَخْدَمَ الْمُسْلِمُونَ "الدَّبَابَةَ" (¬5)؛ لِيَحْمُوا بِهَا أَنْفُسَهُم مِنَ السِّهامِ، حَتَّى يَصِلُوا إِلَى الْحِصْنِ، فَعِنْدَمَا
¬__________
(¬1) الْحَسَكُ: بفتح الحاء والسين خمع حَسَكَة: وهي شَوْكَةٌ صُلْبَةٌ معروفة. انظر النهاية (1/ 371).
(¬2) نَجِيح: بفتح النون، وكسر الجيم.
(¬3) الْمُحَرَّرِ: أي أَجْرُ مَن أعتقَ رقبةً. انظر النهاية (1/ 349).
(¬4) أخرجه الإمام أحمد في مسنده - رقم الحديث (17022) - والترمذي في جامعه - كتاب فضائل الجهاد - باب ما جاء في فضل الرمي في سبيل اللَّه - رقم الحديث (1733) - وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.
(¬5) الدَّبَّابَةُ: آلةٌ تُتَّخَذُ مِنْ جُلودٍ وخشبِ يدخل فيها الرجال ويُقرِّبونها من الحصن المحاصر لِيَنْقُبُوهُ، وتقيهم ما يرمون به من فوقهم. انظر النهاية (2/ 91).

الصفحة 144