كتاب اللؤلؤ المكنون في سيرة النبي المأمون (اسم الجزء: 4)

* رُؤْيَا رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- وَرَحِيلُ الْمُسْلِمِينَ:
ذَكَرَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- لِأَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ -رضي اللَّه عنه- أَنَّهُ رَأَى رُؤْيَا، وَهُوَ مُحَاصِرٌ ثَقِيفًا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "يَا أبا بَكْرٍ! إِنِّي رَأَيْتُ أَنِّي أُهْدِيَتْ لِي قَعْبَةٌ (¬1) مَمْلُوءَةٌ زُبْدًا، فنَقَرَهَا دِيكٌ، فَهَرَاقَ مَا فِيهَا"، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ -رضي اللَّه عنه-: مَا أَظُنُّ أَنْ تُدْرِكَ مِنْهُمْ يَوْمَكَ هَذَا مَا تُرِيدُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "وَأَنَا لَا أَرَى ذَلِكَ" (¬2).
وَلَمَّا طَالَ حِصَارُ الطَّائِفِ وَاسْتَعْصَى عَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَلَمْ يُؤْذَنْ لِرَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- بِفَتْحِ الطَّائِفِ، قَالَ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ -رضي اللَّه عنه-: "نَادِ فِي النَّاسِ: إِنَّا قَافِلُونَ (¬3) إِنْ شَاءَ اللَّهُ"، فَثَقُلَ ذَلِكَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَاسْتَنْكَرُوهُ، وَقَالُوا: نَذْهَبُ وَلَا نَفْتَحُهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "اغْدُوا عَلَى الْقِتَالِ"، فَغَدَوْا فَأَصَابَهُمْ جِرَاحٌ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ! أَحْرَقَتْنَا نِبَالُ ثَقِيفٍ، فَادْعُ اللَّهَ عَلَيْهِمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "اللَّهُمَّ اهْدِ ثَقِيفًا وَائْتِ بِهِمْ"، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إِنَّا قَافِلُونَ غَدًا إِنْ شَاءَ اللَّهُ"، فَسُرُّوا بِذَلِكَ وَأَذْعَنُوا، وَجَعَلُوا يَرحَلُونَ وَرَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- يَضْحَكُ (¬4).
¬__________
(¬1) الْقَعبُ: القَدَحُ الضخمُ. انظر لسان العرب (11/ 235).
(¬2) انظر سيرة ابن هشام (4/ 136).
(¬3) قَفَلَ: رَجَعَ. انظر النهاية (4/ 81).
(¬4) أخرج ذلك البخاري في صحيحه - كتاب المغازي - باب غزوة الطائف - رقم الحديث (4325) - ومسلم في صحيحه - كتاب الجهاد والسير - باب غزوة الطائف - رقم الحديث (1778) - وأورده ابن الأثير في جامع الأصول - رقم الحديث (6174).
وأخرج دعاء الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- لثقيف بالهداية: الإمام أحمد في مسنده - رقم الحديث (14702) - والترمذي في جامعه - كتاب المناقب - باب مناقب في ثقيف وبني حنيفة - رقم الحديث (4285) - وإسناده صحيح على شرط مسلم.

الصفحة 146