كتاب اللؤلؤ المكنون في سيرة النبي المأمون (اسم الجزء: 4)
مَعْشَرَ المُسْلِمِينَ، أَنِّي أَعْرِضُ عَليْهِ حَقَّهُ مِنْ هذا الْفَيْءِ (¬1)، فَيَأْبَى أَنْ يَأْخُذَهُ، فَلَمْ يَرْزَأْ حَكِيمٌ أَحَدًا مِنَ النَّاسِ شَيْئًا بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- حَتَّى تُوُفِّيَ (¬2).
قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ: وَإِنَّمَا امْتَنَعَ حَكِيمٌ مِنْ أَخْذِ الْعَطَاءِ، مَعَ أَنَّهُ حَقُّهُ، لِأَنَّهُ خَشِيَ أَنْ يَقْبَلَ مِنْ أَحَدٍ شَيْئًا فَيَعْتَادُ الْأَخْذَ، فَتَتَجَاوَزُ بِهِ نَفْسُهُ إِلَى مَا لَا يُرِيدُهُ، فَفَطَمَهَا عَنْ ذَلِكَ، وَتَرَكَ مَا يَرِيبُهُ إِلَى مَا لَا يَرِيبُهُ (¬3).
* فَوَائِدُ حَدِيثِ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ -رضي اللَّه عنه-:
وَفِي حَدِيثِ حَكِيمٍ مِنَ الْفَوَائِدِ:
1 - ضَربُ الْمَثَلِ لِمَا لَا يَعقِلُهُ السَّامِعُ مِنَ الْأَمثِلَةِ، لِأَنَّ الْغَالِبَ مِنَ النَّاسِ لَا يَعرِفُ الْبَرَكَةَ إِلَّا فِي الشَّيْءِ الْكَثِيرِ، فَبَيَّنَ بِالْمِثَالِ الْمَذْكُورِ أَنَّ الْبَرَكَةَ هِيَ خَلْقٌ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ تَعَالَى، وَضَرَبَ لَهُمُ الْمَثَلَ بِمَا يَعهدُونَ، فَالآكِلُ إِنَّمَا يَأْكُلُ لِيَشْبَعَ، فَإِذَا أَكَلَ وَلَمْ يَشْبَعْ كَانَ عَنَاءً فِي حَقِّهِ بِغَيْرِ فَائِدَةٍ، وَكَذَلِكَ الْمَالُ، لَيْسَتِ الفائِدَةُ فِي عَيْنِهِ، وَإِنَّمَا هِيَ لِمَا يَتَحَصَّلُ بِهِ مِنَ الْمَنَافِعِ، فَإِذَا كَثُرَ عِنْدَ الْمرْءِ بِغَيْرِ
¬__________
(¬1) الفيْءُ: هو ما حَصَلَ للمسلمينَ مِنْ أموالِ الكفارِ مِنْ غيرِ حَرْبٍ، ولا جِهَادٍ. انظر النهاية (3/ 434).
(¬2) أخرج ذلك البخاري في صحيحه - كتاب الزكاة - باب الاستعفاف عن المسألة - رقم الحديث (1472) - ومسلم في صحيحه - كتاب الزكاة - باب بيان أن اليد العليا خير من اليد السفلى - رقم الحديث (1035) (96) - والإمام أحمد في مسنده - رقم الحديث (15574) - (15321).
(¬3) انظر فتح الباري (4/ 99).
الصفحة 151