كتاب اللؤلؤ المكنون في سيرة النبي المأمون (اسم الجزء: 4)

فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "فَاجْمَعْ لِي قَوْمَكَ".
فَخَرَجَ سعدٌ، فَجَمَعَ الْأَنْصَارَ فِي قُبَّةٍ مِنْ أَدَمٍ، فَلَمَّا اجْتَمَعُوا أَتَاهُ سَعْدٌ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! قَدْ اجْتَمَعَ لَكَ هَذَا الْحَيَّ مِنَ الْأَنْصَارِ.
فَأَتَاهُمْ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-، فَحَمِدَ اللَّه، وَأَثْنَى عَلَيْهِ بِالذِي هُو له أَهْلٌ، ثُمَّ قَالَ: "يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ، مَا قَالَةٌ بَلَغَتْنِي عَنْكُمْ، وَجِدَةٌ وَجَدتُمُوهَا فِي أَنْفُسِكُمْ، أَلَمْ آتِكُمْ ضُلَّالًا فَهَدَاكُمُ اللَّهُ؟ وَمُتَفَرِّقِينَ فَأَلَّفَكُمُ اللَّهُ بِي؟ ، وَعَالَةً (¬1) فَأَغْنَاكُمُ اللَّهُ بِي؟ ".
قَالُوا: بَلِ اللَّهُ وَرَسُوله أَمَنُّ وَأَفْضَلُ.
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أَلَا تُجِيبُونَنِي يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ؟ ".
قَالُوا: وَبِمَاذَا نُجِيبُكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ ، وَللَّهِ وَلرَسُولهِ الْمَنُّ وَالفَضْلُ.
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أَمَا وَاللَّهِ لَوْ شِئْتُم لَقُلْتُم فَلَصَدَقْتُمْ وَصُدِّقْتُمْ، أَتَيْتَنَا مُكَذَّبًا فَصَدَّقْنَاكَ، وَمَخْذُولًا فَنَصَرْنَاكَ، وَطَرِيدًا فَآويْنَاكَ، وَعَائِلًا فَأَغْنَيْنَاكَ".
ثُمَّ قَالَ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أَوَجِدتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ فِي لُعَاعَةٍ (¬2) مِنَ الدُّنْيَا، تَأَلَفْتُ بِهَا قَوْمًا لِيُسْلِمُوا، وَوَكلْتُكُمْ إِلَى إِسْلَامِكُمْ؟ أَفَلَا تَرْضَوْنَ يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ أَنْ يَذْهبَ النَّاسُ بِالشَّاةِ وَالبَعِيرِ، وَتَرْجِعُونَ بِرَسولِ اللَّهِ فِي رِحَالِكُمْ؟
¬__________
(¬1) العَالَةُ: الْفُقَرَاءُ. انظر جامع الأصول لابن الأثير (8/ 390).
(¬2) لُعَاعَةٌ مِنَ الدنيا: أي شَيْءٌ يسيرٌ من الدنيا. انظر لسان العرب (12/ 290).

الصفحة 164