كتاب اللؤلؤ المكنون في سيرة النبي المأمون (اسم الجزء: 4)
"يَا عَاصِمُ مَا ذِئْبَانِ عَادِيَانِ أَصَابَا فَرِيسَةَ غَنَمٍ أَضَاعَهَا رَبُّهَا (¬1) بِأَفْسَدَ فِيهَا مِنْ حُبِّ الْمَالِ وَالشَّرَفِ لِدِينِهِ" (¬2).
وَفِي رِوَايَةِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ وَالتِّرْمِذِيِّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "مَا ذِئْبَانِ جَائِعَانِ أُرسِلَا فِي غَنَمٍ بِأَفْسَدَ لَهَا مِنْ حِرصِ الْمَرء عَلَى الْمَالِ وَالشَّرَفِ لِدِينِهِ" (¬3).
قَالَ الْإِمَامُ ابْنُ رَجَبٍ الْحَنْبَلِيُّ رَحِمَهُ اللَّه: فَهَذَا مَثَلٌ عَظِيمٌ جِدًّا ضَرَبَهُ النَّبِيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- لِفَسَادِ دِينِ الْمُسْلِمِ بِالْحِرصِ عَلَى الْمَالِ وَالشَّرَفِ فِي الدُّنْيَا، وَأَنَّ فَسَادَ الدِّينِ بِذَلِكَ لَيْسَ بِدُونِ فَسَادِ الْغَنَمِ بِذِئْبَيْنِ جَائِعَيْنِ ضَارِيَيْنِ بَاتَا فِي الْغَنَمِ قَدْ غَابَ عَنْهَا رِعَاؤُها لَيْلًا، فَهُمَا يَأْكُلَانِ فِي الْغَنَمِ وَيَفْتَرِسَانِ فِيهَا، وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَا يَنْجُو مِنَ الْغَنَمِ مِنْ إِفْسَادِ الذِّئْبَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ وَالْحَالَةُ هَذِهِ إِلَّا قَلِيلٌ، فَأَخْبَرَ النَّبِيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- أَنَّ حرصَ الْمرءَ عَلَى الْمَالِ وَالشَّرَفِ إِفْسَادٌ لِدِينِهِ، لَيْسَ بِأَقَلَّ مِنْ إِفْسَادِ الذِّئْبَيْنِ لهذه الْغَنَمِ (¬4).
¬__________
(¬1) الرَّبُّ: يُطْلَقُ في اللغة على الْمَالك والسَّيِّدِ، والْمُدَبِّرِ، والْمُرَبِّي. انظر النهاية (2/ 165).
(¬2) أخرجه الحاكم في المستدرك - كتاب معرفة الصحابة - باب مذمة حب المال - رقم الحديث (5826).
(¬3) أخرجه الإمام أحمد في مسنده - رقم الحديث (15784) - والترمذي في جامعه - كتاب الزهد - باب ما جاء في أخذ المال - رقم الحديث (2533) - وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.
(¬4) انظر كلام ابن رجب رَحِمَهُ اللَّهُ في رسالة له في شرح هذا الحديث ص 21 - تحقيق: محمد صبحي حَلَّاق.