كتاب اللؤلؤ المكنون في سيرة النبي المأمون (اسم الجزء: 4)
إِلَى آخِرِهِ، ثُمَّ دَفَعَهُ إِلَى أَخِيهِ -وَهُوَ عَبْدٌ- فَقَرَأَ مِثْلَ قِرَاءَتِهِ، إِلَّا أَنِّي رَأَيْتُ أَخَاهُ أَرَقَّ مِنْهُ، ثُمَّ قَالَ: أَلَا تُخْبِرُنِي عَنْ قُرَيْشٍ كَيْفَ صَنَعَتْ؟
فَقُلْتُ: تَبِعُوهُ، إِمَّا رَاغِبٌ في الدِّينِ، وَإِمَّا مَقُهُورٌ بِالسَّيْفِ.
قَالَ: وَمَنْ مَعَهُ؟
قُلْتُ: النَّاسُ قَدْ رَغِبُوا في الْإِسْلَامِ، وَاخْتَارُوهُ عَلَى غَيْرِهِ، وَعَرَفُوا بِعُقُولهِمْ مِنْ هُدَى اللَّهِ إِيَّاهُمْ، أَنَّهُمْ كَانُوا في ضَلَالٍ، فَمَا أَعْلَمُ أَحَدًا بَقِيَ غَيْرَكَ في هَذِهِ الْحَرَجَةِ (¬1)، وَأَنْتَ إِنْ لَمْ تُسْلِمِ الْيَوْمَ وَتَتَّبِعْهُ، يُوَاطِيُّكَ الْخَيْلَ، وَيُبِيدُ خَضْرَاءَكَ (¬2)، فَأَسْلِمْ تَسْلَمْ، وَيَسْتَعْمِلُكَ عَلَى قَوْمِكَ، وَلَا تَدْخُلُ عَلَيْكَ الْخَيْلُ وَالرِّجَالُ.
فَقَالَ: دَعْنِي يَوْمِي هَذَا، وَارْجعْ إِلَيَّ غَدًا.
قَالَ عَمْرٌو: فَرَجَعْتُ إِلَى أَخِيهِ، فَقَالَ: يَا عَمْرُو! إِنِّي لَأَرْجُو أَنْ يُسْلِمَ إِنْ لَمْ يَضِنَّ بِمُلْكِهِ.
فَقَالَ عَمْرٌو: حَتَّى إِذَا كَانَ الْغَدُ أَتَيْتُ إِلَيْهِ، فَأَبَى أَنْ يَأْذَنَ لِي، فَانْصَرَفْتُ إِلَى أَخِيهِ، فَأَخْبَرتُهُ أنِّي لَمْ أَصِلْ إِلَيْهِ، فَأَوْصَلَنِي إِلَيْهِ، فَأَدْخَلَنِي عَلَيْهِ، فَقَالَ: إِنِّي فكَّرْتُ فِيمَا دَعَوْتَنِي إِلَيْهِ، فَإِذَا أنَا أَضْعَفُ الْعَرَبِ إِنْ مَلَّكْتُ رَجُلًا مَا في يَدِي،
¬__________
(¬1) الْحَرَجَةُ: بالتحريك مُجْتَمَعُ شَجَرٍ مُلْتَف كالغِيضَةِ. انظر النهاية (1/ 348).
(¬2) الْخَضْرَاءُ: سَوَادُهُمْ ودُهَمَاؤُهُم. انظر النهاية (2/ 40).
الصفحة 189