كتاب اللؤلؤ المكنون في سيرة النبي المأمون (اسم الجزء: 4)

تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنْتُمْ وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ} (¬1).
وَأَوَّلُ مَا يَقِفُ الإِنْسَانُ أَمَامَهُ هُوَ فِعْلَةُ حَاطِبٍ -رضي اللَّه عنه-، وَهُوَ المُسْلِمُ المُهَاجِرُ، وَهُوَ أَحَدُ الذِينَ أَطْلَعَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- عَلَى سِرِّ الْحَمْلَةِ. . . وَفِيهَا مَا يَكْشِفُ عَنْ مُنْحَنيَاتِ النَّفْسِ البَشَرِيَّةِ العَجِيبَةِ، وَتَعَرُّضِ هَذِهِ النَّفْسِ لِلَحَظَاتِ الضعْفِ البَشَرِيِّ مَهْمَا بَلَغَ مِنْ كَمَالِهَا وَقُوَّتِهَا، وَأَنْ لَا عَاصِمَ إِلَّا اللَّهُ مِنْ هَذِهِ اللَّحَظَاتِ، فَهُوَ الذِي يُعِينُ عَلَيْهَا.
ثُمَّ يَقِفُ الإِنْسَانُ مَرَّةً أُخْرَى أَمَامَ عَظَمَةِ الرَّسُولِ -صلى اللَّه عليه وسلم- وَهُوَ لَا يَعْجَلُ حَتَّى يَسْأَلَ: "مَا حَمَلَكَ عَلَى مَا صَنَعْتَ" فِي سَعَةِ صَدْرٍ وَعَطْفٍ عَلَى لَحْظَةِ الضَّعْفِ الطَّارِئَةِ فِي نَفْسِ صَاحِبِهِ، وَإِدْرَاكٍ مُلْهَمٍ بِأَنَّ الرَّجُلَ قَدْ صَدَقَ، وَمِنْ ثَمَّ يَكُفُّ الصَّحَابَةَ عَنْهُ: "صَدَقَ وَلَا تَقُوُلُوا إِلَّا خَيْرا. . . " لِيُعِينَهُ وَيَنْهَضَهُ مِنْ عَثْرَتِهِ، فَلَا
¬__________
(¬1) سورة الممتحنة آية (1).
وقصة حاطب -رضي اللَّه عنه- أخرجها: البخاري في صحيحه - كتاب الجهاد والسير - باب إذا اضطر الرجل إلى النظر في شعور أهل الذمة - رقم الحديث (3081) - وأخرجه في كتاب المغازي - باب فضل من شهد بدرًا - رقم الحديث (3983) - وباب غزوة الفتح وما بعث به حاطب بن أبي بلتعة -رضي اللَّه عنه- إلى أهل مكة - رقم الحديث (4272) - وأخرجه في كتاب استتابة المرتدين - باب ما جاء في المتأولين - رقم الحديث (6939) - وأخرجه مسلم في صحيحه كتاب فضائل الصحابة - باب من فضائل أهل بدر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، وقصة حاطب بن أبي بلتعة - رقم الحديث (2494) - وأخرجه الإمام أحمد في مسنده - رقم الحديث (600) - (827) - وأخرجه الطحاوي في شرح مشكل الآثار - رقم الحديث (4436).

الصفحة 21