كتاب اللؤلؤ المكنون في سيرة النبي المأمون (اسم الجزء: 4)
"إِنَّكُمْ قَدْ دَنَوْتُمْ مِنْ عَدُوِّكُمْ، وَالفِطْرُ أَقْوَى لَكُمْ"، فَكَانَتْ رُخْصَةً، فَمِنَّا مَنْ صَامَ، وَمِنَّا مَنْ أَفْطَرَ، ثُمَّ نَزَلْنَا مَنْزِلًا آخَرَ، فَقَالَ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إِنَّكُمْ مُصَبِّحُو عَدُوَّكُمْ، وَالفِطْرُ أَقْوَى لَكُمْ، فَأَفْطِرُوا"، وَكَانَتْ عَزْمَةً (¬1).
وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى فِي مُسْنَدِ الإِمَامِ أَحْمَدَ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ، قَالَ أَبُو سَعِيدٍ الخُدْرِيُّ -رضي اللَّه عنه-: آذَنَّا رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- بِالرَّحِيلِ عَامَ الفَتْحِ فِي لَيْلَتَيْنِ خَلَتَا مِنْ رَمَضَانَ، فَخَرَجْنَا صُوَّامًا، حَتَّى إِذَا بَلَغْنَا الكَدِيدَ، فَأَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- بِالفِطْرِ، فَأَصْبَحَ النَّاسُ مِنْهُمُ الصَّائِمُ، وَمِنْهُمُ المُفْطِرُ، حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَدْنَى مَنْزِلٍ تِلْقَاءَ العَدُوِّ أَمَرَنَا بِالفِطْرِ، فَأَفْطَرْنَا أَجْمَعِينَ (¬2).
* جَنْيُ (¬3) الكَبَاثِ (¬4) وَانْكِشَاف سَاقِ ابْنِ مَسْعُودٍ -رضي اللَّه عنه-:
ثُمَّ أَخَذَ الصَّحَابَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -وَهُمْ فِي مَرِّ الظَّهْرَانِ- يَجْنُونَ ثَمَرَ الكَباثِ، فَقَدْ أَخْرَجَ الشَّيْخَانِ فِي صَحِيحَيْهِمَا عَنْ جَابِرٍ -رضي اللَّه عنه- قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- نَجْنِي الكَبَاثَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "عَلَيْكُمْ بِالأَسْوَدِ مِنْهُ، فَإِنَّهُ أَطْيَبُهُ"، قَالَ: فَقُلْنَا: أَكُنْتَ تَرْعَى الغَنَمَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ (¬5).
¬__________
(¬1) أخرجه مسلم في صحيحه - كتاب الصيام - باب أجر المفطر في السفر إذا تولى العمل - رقم الحديث (1120).
(¬2) أخرجه الإمام أحمد في مسنده - رقم الحديث (11825).
(¬3) جَنَى الثمرة: تناولها من شجرتها. انظر لسان العرب (2/ 393).
(¬4) الكَباث: بفتح الكاف والباء الخفيفة: هو النضيج من ثمر الأراك. انظر فتح الباري (7/ 100) - النهاية (4/ 121).
(¬5) قَالَ الحَافِظُ فِي الفَتْحِ (7/ 100): وإنما قال له الصحابةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ: أكنتَ ترعى =
الصفحة 30