كتاب اللؤلؤ المكنون في سيرة النبي المأمون (اسم الجزء: 4)

* هِجْرَةُ العَبَّاسِ بنِ عَبْدِ المُطَّلِبِ -رضي اللَّه عنه-:
وَلَمَّا بَلَغَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- الجُحْفَةَ لَقِيَهُ العَبَّاسُ بنُ عَبْدِ المُطَّلِبِ -رضي اللَّه عنه- مُهَاجِرًا بِأَهْلِهِ وَعِيَالِهِ إِلَى المَدِينَةِ، وَمَا كَانَ يَعْلَمُ عَنْ أَمْرِ جَيْشِ المُسْلِمِينَ، فَدَخَلَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-، فَفَرِحَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- بِهِ فَرَحًا عَظِيمًا (¬1).
وَهُوَ آخِرُ مَنْ هَاجَرَ إِلَى المَدِينَةِ؛ لِأَنَّ بَعْدَهُ تَمَّ فتحُ مَكَّةَ، وَالرَّسُولُ -صلى اللَّه عليه وسلم- قَالَ: "لَا هِجْرَةَ بَعْدَ الفَتْحِ" (¬2).
قَالَ الحَافِظُ فِي الفَتْحِ: اخْتُلِفَ فِي الوَقْتِ الذِي أَسْلَمَ فِيهِ العَبَّاسُ -رضي اللَّه عنه-، فَقِيلَ: أَسْلَمَ قَبْلَ الهِجْرَةِ، وَأَقَامَ بِأَمْرِ النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- لَهُ فِي ذَلِكَ لِمَصْلَحَةِ المُسْلِمِينَ، رَوَى ذَلِكَ ابْنُ سَعْدٍ (¬3) مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَفِي إِسْنَادِهِ الكَلْبِيُّ وَهُوَ مَتْرُوكٌ، وَيَرُدُّهُ أَنَّ العَبَّاسَ أُسِرَ بِبَدْرٍ، وَقَدْ فَدَى نَفْسَهُ، وَأَمَّا قَوْلُ أَبِي راَفِعٍ -رضي اللَّه عنه- (¬4) فِي قِصَّةِ بَدْرٍ: "كَانَ الإِسْلامُ دَخَلَ عَلَيْنَا أَهْلَ البيْتِ" (¬5)، فَلَا يَدُلُّ عَلَى إِسْلَامِ العَبَّاسِ حِينَئِذٍ، فَإِنَّهُ كَانَ مِمَّنْ أُسِرَ يَوْمَ بَدْرٍ، وَفَدَى نَفْسَهُ وَعَقِيلًا ابْنَ أَخِيهِ أَبِي
¬__________
(¬1) انظر سيرة ابن هشام (4/ 48).
(¬2) هذا الحديث أخرجه البخاري في صحيحه - كتاب الجهاد والسير - باب لا هجرة بعد الفتح - رقم الحديث (3077) - وأخرجه مسلم في صحيحه - كتاب الحج - باب تحريم مكة وصيدها وخلاها - رقم الحديث (1353).
(¬3) في طبقاته (4/ 323).
(¬4) أبو رافع -رضي اللَّه عنه-: هو مولى العباس -رضي اللَّه عنه-، ثم مولى رَسُول اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-.
(¬5) أخرج قول أبي رافع هذا: الإمام أحمد في مسنده - رقم الحديث (23864) - وإسناده ضعيف.

الصفحة 32