كتاب اللؤلؤ المكنون في سيرة النبي المأمون (اسم الجزء: 4)

لَيَالٍ بَقِينَ مِنْ رَمَضَانَ، وَهُوَ رَاكِبٌ نَاقَتَهُ القَصْوَاءَ مُرْدِفًا أُسَامَةَ بنَ زَيْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا خَلْفَهُ، عَلَى رَأْسِهِ المِغْفَرُ (¬1)، وَاضِعًا رَأْسَهُ الشَّرِيفَ عَلَى رَاحِلَتِهِ تَوَاضُعًا للَّهِ رَبِّ العَالَمِينَ حِينَ رَأَى مَا أَكْرَمَهُ اللَّهُ بِهِ مِنَ الفَتْحِ، حَتَّى إِنَّ لِحْيَتَهُ لَتَكَادُ تَمَسُّ وَسَطَ رَحْلِهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-، وَهُوَ يَقْرَأُ سُورَةَ الفَتْحِ يُرَجِّعُ (¬2) بِهَا صَوْتَهُ (¬3).
قَالَ الشَّيْخُ مُحَمَّد الغَزَالِي رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: إِنَّ هَذَا الفَتْحَ المُبِينَ لَيُذَكِّرُهُ بِمَاضٍ طَوِيلِ الفُصُولِ، كَيْفَ خَرَجَ مُطَارَدًا؟ ، وَكَيْفَ يَعُودُ اليَوْمَ مَنْصُورًا مُؤَيَّدًا. . .؟ ! وَأَيُّ كَرَامَةٍ عُظْمَى حَفَّهُ اللَّهُ بِهَا فِي هَذَا الصَّبَاحِ المَيْمُونِ! وَكُلَّمَا اسْتَشْعَرَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- هَذه النَّعْمَاءَ ازْدَادَ للَّهِ عَلَى رَاحِلَتِهِ خُشُوعًا وَانْحِنَاءً، وَيبدُو أَنَّ هُنَاكَ عَوَاطِفُ أُخْرَى كَانَتْ تَجِيشُ (¬4) فِي بَعْضِ الصُّدُورِ (¬5).

* اغْتِسَالُ رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- فِي دَارِ أمِّ هَانِئٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا:
وَلَمَّا ارْتَفَعَ النَّهَارُ أَتَى رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- دَارَ أُمِّ هَانِئٍ بِنْتَ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ
¬__________
(¬1) المِغْفر: هو ما يلبسه الدارع على رأسه. انظر النهاية (3/ 336).
وفي رواية أخرى في صحيح مسلم- رقم الحديث (1358) قال جابر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: وعليه عمامة سوداء بغير إحرام.
(¬2) التَّرْجيع: هو ترديد القراءة، ومنه ترجيع الأذان. انظر النهاية (2/ 185).
(¬3) أخرج ذلك كله: البخاري في صحيحه - كتاب الحج - باب من أين يخرج من مكة - رقم الحديث (1578) (1579) - وكتاب المغازي - باب أين ركز النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- الراية يوم الفتح - رقم الحديث (4281) (4286) - وكتاب التفسير - باب {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا} - رقم الحديث (4835) - ومسلم في صحيحه - كتاب الحج - باب جواز دخول مكة بغير إحرام - رقم الحديث (1357) - والطحاوي في شرح مشكل الآثار - رقم الحديث (5768).
(¬4) تَجِيش: أي تفيض. انظر لسان العرب (2/ 435).
(¬5) انظر فقه السيرة ص 380 للشيخ محمد الغزالي رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى.

الصفحة 53