كتاب اللؤلؤ المكنون في سيرة النبي المأمون (اسم الجزء: 4)

مَوقِفُ أَبِي بَكرٍ الصِّدِّيقِ -رضي اللَّه عنه-
ثُمَّ أَقْبَلَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ -رضي اللَّه عنه- عَلَى فَرَسِهِ مِنْ مَسْكَنِهِ بِالسُّنْحِ حِينَ بَلَغَهُ الْخَبَرُ، حَتَّى نَزَلَ فَدَخَلَ الْمَسْجِدَ، وَعُمَرُ -رضي اللَّه عنه- يُكَلِّمُ النَّاسَ، فَلَمْ يَلْتَفِتْ إلى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، حَتَّى دَخَلَ عَلَى عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، فتَيَمَّمَ (¬1) رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- وَهُوَ مُسَجًّى (¬2) بِبُرْدٍ (¬3) حِبَرَةٍ (¬4)، فكَشَفَ عَنْ وَجْهِهِ، فَقَالَ: إِنَّا للَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ، ثُمَّ أَكَبَّ عَلَيْهِ فَقَبَّلَهُ وَبَكَى، ثُمَّ قَالَ: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي يَا نَبِيَّ اللَّهِ، طِبْتَ حَيًّا وَمَيْتًّا، وَاللَّهِ لَا يَجْمَعُ اللَّهُ عَلَيْكَ مَوْتَتَيْنِ، أَمَّا الْمَوْتَةُ التِي كُتِبَتْ عَلَيْكَ فَقَدْ مُتَّهَا (¬5)، ثُمَّ لَنْ تُصِيبَكَ بَعْدَهَا مَوْتَةٌ أَبَدًا، ثُمَّ رَدَّ الْبُرْدَ عَلَى وَجْهِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-، ثُمَّ خَرَجَ -رضي اللَّه عنه- إلى النَّاسِ، وَهُمْ مَا بَيْنَ مُنْكِرٍ، وَمُصَدِّقٍ؛ لِهَوْلِ الْأَمْرِ، فَرَأَى عُمَرَ -رضي اللَّه عنه- يُكَلِّمُ النَّاسَ، وَيَتَوَعَّدُ وَيُهَدِّدُ مَنْ يَقُولُ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- مَاتَ.
¬__________
(¬1) أَمَّهُ: أي قصد. انظر النهاية (1/ 70).
(¬2) مُسَجًّى: أي مُغطى. انظر النهاية (2/ 310).
(¬3) الْبُرْدَةُ: نوع من الثياب معروف. انظر النهاية (1/ 116).
(¬4) قَالَ الحَافِظُ في الفَتْحِ (3/ 451): حِبَرة: بكسر الحاء وفتح الباء بوزن عنبة: نوع من برود اليمن مخططة غالية الثمن.
(¬5) في رواية ابن إسحاق في السيرة (4/ 313): ذقتها.

الصفحة 625