كتاب اللؤلؤ المكنون في سيرة النبي المأمون (اسم الجزء: 4)

فَقَالَ لَهُ: اجْلِسْ يَا عُمَرُ (¬1)، فَأَبَى عُمَرُ أَنْ يَجْلِسَ، فَلَمَّا رَآه لَا يُنْصِتُ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ، فَلَمَّا سَمِعُوا كَلَامَهُ أَقْبَلُوا عَلَيْهِ وَتَرَكُوا عُمَرَ -رضي اللَّه عنه-، فَحَمِدَ أَبُو بَكْرٍ -رضي اللَّه عنه- اللَّه تَعَالَى وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ، أَيُّهَا النَّاسُ مَنْ كَانَ مِنْكُمْ يَعْبُدُ مُحَمَّدًا فَإِنَّ مُحَمَّدًا قَدْ مَاتَ، وَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ يَعْبُدُ اللَّه، فَإِنَّ اللَّه حَيٌّ لَا يَمُوتُ، {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ} " (¬2)، فنَشَجَ (¬3) النَّاسُ يبكُونَ.
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: وَاللَّهِ لَكَأَنَّ النَّاسَ لَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّه أَنْزَلَ هَذِهِ الْآيَةَ حَتَّى تَلَاهَا أَبُو بَكْرٍ، فتَلَقَّاهَا النَّاسُ مِنْهُ كُلُّهُمْ، فَمَا أَسْمَعُ بَشَرًا مِنَ النَّاسِ إِلَّا يَتْلُوهَا (¬4).
¬__________
(¬1) في رواية أخرى في صحيح البخاري - رقم الحديث (3667) قال أبو بكر -رضي اللَّه عنه-: أيها الحالف على رِسلك.
وفي رواية ابن إسحاق في السيرة (4/ 313): على رِسلك يا عمر، أنصت، فأبى.
والرِسْلُ: بكسر الراء أي تَمهّل. انظر لسان العرب (5/ 212).
(¬2) سورة آل عمران آية (144).
(¬3) النَّشِيجُ: صوت معه توجع وبكاء. انظر النهاية (5/ 45).
(¬4) أخرج ذلك كله البخاري في صحيحه - كتاب الجنائز - باب الدخول على الميت بعد الموت إذا أدرج في أكفانه - رقم الحديث (1241) (1242) - وأخرجه في كتاب المغازي - باب مرض النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ووفاته - رقم الحديث (4452) (4453) - والإمام أحمد في مسنده - رقم الحديث (25841) - وابن حبان في صحيحه - كتاب التاريخ - باب وفاته -صلى اللَّه عليه وسلم- رقم الحديث (6620) - وأورده ابن الأثير في جامع الأصول - رقم الحديث (2074) - وابن إسحاق في السيرة (4/ 313).

الصفحة 626