كتاب اللؤلؤ المكنون في سيرة النبي المأمون (اسم الجزء: 4)

عَزَّ وَجَلَّ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ، ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ، فنَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَكَتِيبَةُ الْإِسْلَامِ، وَأَنْتُمْ يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ رَهْطٌ مِنَّا، وَقَدْ دَفَّتْ دَافَّةٌ (¬1) مِنْ قَوْمِكُمْ، فَإِذَا هُمْ يُرِيدُونَ أَنْ يَخْتَزِلُونَا (¬2) مِنْ أَصْلِنَا، وَيَحْضِنُونَا (¬3) مِنَ الْأَمْرِ.
قَالَ عُمَرُ -رضي اللَّه عنه-: فَلَمَّا سَكَتَ أَرَدْتُ أَنْ أَتكَلَّمَ، وَكُنْتُ قَدْ زَوَّرْتُ (¬4) مَقَالَةً أَعْجَبَتْنِي أَرَدْتُ أَنْ أُقَدِّمَهَا بَيْنَ يَدَيْ أَبِي بَكْرٍ -رضي اللَّه عنه-، وَكُنْتُ أُدَارِي مِنْهُ بَعْضَ الْحَدِّ (¬5).
فَلَمَّا أَرَدْتُ أَنْ أَتكَلَّمَ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ -رضي اللَّه عنه-: عَلَى رِسْلِكَ (¬6)، فكَرِهْتُ أَنْ أُغْضِبَهَ، فتَكَلَّمَ أَبُو بَكْرٍ كَانَ هُوَ أَحْلَمَ (¬7) مِنِّي وَأَوْقَرَ، وَاللَّهِ مَا تَرَكَ مِنْ كَلِمَةٍ أَعْجَبتْنِي في تَزْوِيرِي إِلَّا قَالَ في بَدِيهَتِهِ مِثْلَهَا، أَوْ أَفْضَلَ مِنْهَا حَتَّى سَكَتَ.
¬__________
(¬1) الدَّافَّةُ: القوم يسيرون جماعة سيرًا ليس بالشديد. انظر النهاية (2/ 117).
قَالَ الحَافِظُ في الفَتْحِ (14/ 120): يريد أنكم قوم غرباء أقبلتم من مكة إلينا، ثم أنتم تريدون أن تستأثروا علينا.
(¬2) قَالَ الحَافِظُ في الفَتْحِ (14/ 120): يختزلونا: أي يقتطعونا عن الأمر، وينفردوا به دوننا. وفي رواية ابن إسحاق في السيرة (4/ 316): يحتازونا.
(¬3) في رواية ابن إسحاق في السيرة (4/ 316): يغصبونا.
(¬4) زَوَّرْتُ: أي هَيَّأْتُ وأَصْلَحْتُ. انظر النهاية (2/ 287).
(¬5) الحَدُّ والحِدَّةُ سواء: مِنْ الغضبِ، يقال: حّدَّ يَحِدُّ حدًا: إذا غضب. انظر النهاية (1/ 340). وفي رواية ابن حبان في صحيحه - رقم الحديث (414): الحِدَّة.
(¬6) قَالَ الحَافِظُ في الفَتْحِ (14/ 120): رِسلك: بكسر الراء أي على مهلك.
(¬7) هذه رواية البخاري في صحيحه. وفي رواية الإِمام أحمد في مسنده: أعلم.

الصفحة 635