كتاب اللؤلؤ المكنون في سيرة النبي المأمون (اسم الجزء: 4)

فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ -رضي اللَّه عنه- بَعْدَ أَنْ تَشَهَّدَ، وَأَثْنَى عَلَى اللَّهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ: أَمَّا بَعْدُ، أَيُّهَا الْأَنْصَارُ، مَا ذَكَرْتُمْ فِيكُمْ مِنْ خَيْرٍ، فَأَنْتُمْ له أَهْلٌ، وَلَنْ تَعْرِفَ الْعَرَبُ هَذَا الأَمْرَ إِلَّا لِهَذَا الْحَيِّ مِنْ قُرَيْشٍ، هُمْ أَوْسَطُ (¬1) الْعَرَبِ نَسَبًا، وَدَارًا (¬2).
وَفِي رِوَايَةِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ في مُسْنَدِهِ قَالَ عُمَرُ -رضي اللَّه عنه-: فتَكَلَّمَ أَبُو بَكْرٍ، وَلَمْ يَتْرُكْ شَيْئًا أُنْزِلَ في الْأَنْصَارِ، وَلَا ذَكَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- مِنْ شَأْنِهِمْ، إِلَّا وَذَكَرَهُ، وَقَالَ: لَقَدْ عَلِمْتُمْ اَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- قَالَ: "لَوْ سَلَكَ النَّاسُ وَاديًا، وَسَلَكَتِ الْأَنْصَارُ وَاديًا، سَلَكْتُ وَادِيَ الْأَنْصَارِ" (¬3)، وَلقدْ عَلِمْتَ يَا سَعْدُ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- قَالَ، وَأَنْتَ قَاعِدٌ: "قُريْشٌ وُلَاةُ هَذَا الْأَمْرِ، فَبَرُّ النَّاسِ تَبَعٌ لِبَرَهِمْ، وَفَاجِرُهُمْ تَبَعٌ لِفَاجِرِهِمْ"، فَقَالَ له سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ -رضي اللَّه عنه-: صَدَقْتَ، نَحْنُ الْوُزَرَاءُ، وَأَنْتُمُ الْأُمَرَاءُ (¬4).
فَقَالَ الْحُبَابُ بْنُ الْمُنْذِرِ الْأَنْصَارِيُّ -رضي اللَّه عنه-: أَنَا جُذَيْلُهَا (¬5) الْمُحَكَّكُ،
¬__________
(¬1) أَوْسَط: أي خيارهم. انظر النهاية (5/ 160).
(¬2) أخرج ذلك البخاري في صحيحه - كتاب الحدود - باب رجم الحبلى من الزنا إذا أحصنت - رقم الحديث (6830) - والإمام أحمد في مسنده - رقم الحديث (391) - وابن حبان في صحيحه - كتاب البر والإحسان - باب حق الوالدين - رقم الحديث (414).
(¬3) هذا الحديث رواه البخاري في صحيحه - كتاب مناقب الأنصار - باب قول النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لولا الهجرة لكنت امرأ من الأنصار" - رقم الحديث (3779) - والإمام أحمد في مسنده - رقم الحديث (8169).
(¬4) أخرج ذلك الإِمام أحمد في مسنده - رقم الحديث (18) - وهو صحيح لغيره.
(¬5) الجُذَيْلُ: هو تصغير جِذْلٍ، وهو العود الذي يُنصب للإبل الجربي لتحتك به، وهو تصغير تعظيم؛ أي أنا ممن يستشفى برأيه كما تستشفى الإبل الجربى بالاحتكاك بهذا العود. انظر النهاية (1/ 243).

الصفحة 636