كتاب اللؤلؤ المكنون في سيرة النبي المأمون (اسم الجزء: 4)

-صلى اللَّه عليه وسلم- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا (¬1)، فَقَدْ جَمَعَ الْحَافِظُ ابْنُ كَثِيرٍ بَيْنَ ذَلِكَ (¬2) فَقَالَ: . . . أَنَّ عَلِيًّا -رضي اللَّه عنه- بَايَعَ أَوَّلًا مَعَ النَّاسِ الْبَيْعَةَ الْعَامَّةَ عَلَى الْمِنْبَرِ، وَلَمَّا حَصَلَ مِنْ فَاطِمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، عَتْبٌ عَلَى الصِّدِّيقِ -رضي اللَّه عنه- بِسَبَبِ مَا كَانَتْ مُتَوَهِّمَةً أَنَّهَا تَسْتَحِقُّ مِيرَاثَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-، وَلَمْ تَعْلَمْ بِمَا أَخْبَرَهَا بِهِ الصِّدِّيقُ -رضي اللَّه عنه-، أَنَّهُ قاَلَ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لَا نورَثُ مَا تَرَكْنَاهُ فَهُوَ صَدَقَةٌ"، فَحَجَبَهَا وَغَيْرَهَا مِنْ أَزْوَاجِهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- (¬3) وَعَمَّهُ مِنْ مِيرَاثِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- بِهَذَا النَّصِّ الصَّرِيحِ، وَهُوَ الصَّادِقُ البَارُّ، الرَّاشِدُ، التَّابعُ لِلْحَقِّ -رضي اللَّه عنه-، فَحَصَلَ لَهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -وَهِيَ امْرَأَةٌ مِنَ الْبَشَرِ لَيْسَتْ بِوَاجِبَةِ الْعِصْمَةِ- عَتْبٌ وَتَغَضُّبٌ، وَلَمْ تُكَلِّمِ الصِّدِّيقَ -رضي اللَّه عنه- حَتَّى مَاتَتْ، وَاحْتَاجَ عَلِيٌّ -رضي اللَّه عنه- أَن يُرَاعِيَ خَاطِرَهَا بَعْضَ الشَّيْءِ، فَلَمَّا مَاتَتْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا بَعْدَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَفَاةِ أَبِيهَا -صلى اللَّه عليه وسلم- رَأَى عَلِيٌّ -رضي اللَّه عنه- أَنْ يجَدِّدَ البيعة لِأَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ -رضي اللَّه عنه-.
وَهَذَا هُوَ اللَّائِقُ بِعَلِيٍّ -رضي اللَّه عنه- مِنْ مبايَعَتِهِ لِأَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ -رضي اللَّه عنه- فِي أَوَّلِ أَوْ
¬__________
(¬1) أخرجه البخاري في صحيحه - كتاب المغازي - باب غزوة خيبر - رقم الحديث (4240) (4241) - ومسلم في صحيحه - كتاب الجهاد والسير - باب قول النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا نورث ما تركنا فهو صدقة" - رقم الحديث (1759).
(¬2) وَقَالَ الحَافِظُ في الفَتْحِ (8/ 280): وأما بيعة علي -رضي اللَّه عنه- لأبي بكر -رضي اللَّه عنه- بعد وفاة فاطمة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، فكانت بيعة ثانية مؤكدة للأولى لإزالة ما كان وقع بسبب الميراث.
(¬3) روى البخاري في صحيحه - رقم الحديث (6730) - ومسلم في صحيحه - رقم الحديث (1758) - عن عائشة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قالت: أن أزواج النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- حين توفي رَسُول اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-، أردن أن يبعثن عثمان بن عفان -رضي اللَّه عنه- إلى أبي بكر -رضي اللَّه عنه-، يسألنه ميراثهن من النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقالت عائشة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا لهن: أليس قال رَسُول اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا نورث ما تركنا فهو صدقة"؟ .

الصفحة 645