كتاب اللؤلؤ المكنون في سيرة النبي المأمون (اسم الجزء: 4)

ثَانِي يَوْمٍ مِنْ وَفَاةِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-، وَهُوَ الذِي تَدُلُّ عَلَيْهِ الْآثارُ مِنْ شُهُودِهِ مَعَهُ الصَّلَوَاتِ، وَخُرُوجِهِ مَعَهُ إلى ذِي الْقَصَّةِ (¬1) لِقِتَالِ أَهْلِ الرِّدَّةِ، بَعْدَ مَوْتِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-، وَبَذْلِهِ النَّصِيحَةَ وَالْمَشُورَةَ بَيْنَ يَدَيْهِ (¬2).
وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ في دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ بِسَنَدٍ جَيِّدٍ عَنْ أَبِي وَائِلٍ قَالَ: قِيلَ لِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ -رضي اللَّه عنه-: أَلَا تَسْتَخْلِفُ عَلَيْنَا؟
قَالَ: مَا اسْتَخْلَفَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- فَأَسْتَخْلِفُ، وَلَكِنْ إِنْ يُرِدِ اللَّهُ بِالنَّاسِ خَيْرًا، فَسَيَجْمَعُهُمْ بَعْدِي عَلَى خَيْرِهِمْ، كَمَا جَمَعَهُمْ بَعْدَ نَبِيِّهِمْ عَلَى خَيْرِهِمْ (¬3).
وَيَظْهَرُ لَنَا مِنْ هَذَا كُلِّهِ إِجْمَاعُ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ الْمُهَاجِرِينَ مِنْهُمْ وَالْأَنْصَارِ عَلَى تَقْدِيمِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ -رضي اللَّه عنه-.
وَيَظْهَرُ لَنَا أَيْضًا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-، لَمْ يَنُصَّ عَلَى الْخِلَافَةِ عَيْنًا لِأَحَدٍ مِنَ النَّاسِ، لَا لِأَبِي بَكْرٍ -رضي اللَّه عنه-، كَمَا قَدْ زَعَمَهُ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ، وَلَا لِعَلِيٍّ -رضي اللَّه عنه-، كَمَا يَقُولهُ طَائِفَةٌ مِنَ الرَّافِضَةِ، وَلَكِنْ أَشَارَ إِشَارَةً قَوِيَّةً يَفْهَمُهَا كُلُّ ذِي لُبٍّ، وَعَقْلٍ إلى أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ -رضي اللَّه عنه- (¬4).
¬__________
(¬1) ذِي الْقَصَّةِ: بفتح القاف وفتح الصاد المشددة، موضع قريب من المدينة. انظر النهاية (4/ 64).
(¬2) انظر البداية والنهاية (5/ 262) (6/ 693).
(¬3) أخرجه البيهقي في دلائل النبوة (7/ 223) - وأورده الحافظ ابن كثير في البداية والنهاية (5/ 263) - وجود إسناده.
(¬4) انظر البداية والنهاية (5/ 262).

الصفحة 646