كتاب اللؤلؤ المكنون في سيرة النبي المأمون (اسم الجزء: 4)

ثُمَّ اخْتَلَفَ الصَّحَابَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ في حَفْرِ قَبْرِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-، هَلْ يُجْعَلُ له لَحْدٌ (¬1)، أَوْ يُجْعَلُ له شَقٌّ؟ .
وَكَانَ في الْمَدِينَةِ رَجُلَانِ يَحْفِرَانِ الْقُبُورَ، هُمَا: أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ -رضي اللَّه عنه-، وَكَانَ يَضْرِحُ (¬2) كَحَفْرَ أَهْلِ مَكَّةَ، وَالآخَرُ هُوَ أَبُو طَلْحَةَ زَيْدُ بْنُ سَهْلٍ الْأَنْصَارِيُّ -رضي اللَّه عنه-، وَكَانَ يَلْحِدُ، وَكَانَ يَحْفِرُ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ، فَأَرْسَلُوا رَجُلَيْنِ أَحدَهُمَا إلى أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ -رضي اللَّه عنه-، وَالْآخَرَ لِأَبِي طَلْحَةَ -رضي اللَّه عنه-، فَقَالُوا: أَيُّهَا جَاءَ أَوَّلًا حَفَرْنَا عَلَى طَرِيقَتِهِ، فَجَاءَ أَوَّلًا أَبُو طَلْحَةَ الْأَنْصَارِيُّ -رضي اللَّه عنه-، فَلَحَدَ لِرَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- (¬3).
وَفي رِوَايَةٍ أُخْرَى: فَذَهَبَ الرَّجُلَانِ، فَلَمْ يَجْدْ صَاحِبُ أَبِي عُبَيْدَةَ أَبَا عُبَيْدَةَ، وَوَجَدَ صَاحِبُ أَبِي طَلْحَةَ أَبَا طَلْحَةَ، فَجَاءَ بِهِ، فَلَحَدَ لِرَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- (¬4).
وَفي رِوَايَةٍ أُخْرَى عِنْدَ ابْنِ مَاجَه في سُنَنِهِ بِسَنَدٍ حَسَنٍ قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: لَمَّا مَاتَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- اخْتَلَفُوا في اللَّحْدِ وَالشَّقِّ، حَتَّى تَكَلَّمُوا في
¬__________
(¬1) اللَّحْدُ: الشِّقُّ الذي يُعمل في جانب القبر لموضع الميت؛ لأنه قد أُميل عن وسط القبر إلى جانبه. انظر النهاية (4/ 204).
(¬2) الضَّرِيحُ: أي يعمل الضريح، وهو القبر. انظر النهاية (3/ 75).
(¬3) أخرجه ابن ماجه في سننه - كتاب الجنائز - باب ما جاء في الشق - رقم الحديث (1557) - والطحاوي في شرح مشكل الآثار - رقم الحديث (2832) - والإمام أحمد في مسنده - رقم الحديث (39) (2357) - وإسناده حسن.
(¬4) أخرجه الإِمام أحمد في مسنده - رقم الحديث (2357) - وإسناده حسن لغيره.

الصفحة 653