كتاب اللؤلؤ المكنون في سيرة النبي المأمون (اسم الجزء: 4)

وَأَسْلَمَ عِكْرِمَةُ -رضي اللَّه عنه-، وَبَايَعَ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-، ثُمَّ قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- وَهُوَ مُطَأْطِئٌ (¬1) رَأْسَهُ اسْتِحْيَاءً: يَا رَسُولَ اللَّهِ! اسْتِغْفِرْ لِي كُلَّ عَدَاوَةٍ عَادَيْتُكَهَا، أَوْ مَوْكِبٍ أَوْضَعْتُ فِيهِ أُرِيدُ فِيهِ إِظْهَارَ الشِّرْكِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "اللَّهُمَّ! اغْفِرْ لِعِكْرِمَةَ كُلَّ عَدَاوَوة عَادَانِيهَا أَوْ مَوْكِبٍ أَوْضَعَ فِيهِ يُرِيدُ أَنْ يَصُدَّ عَنْ سَبِيلِكَ" (¬2).
وَهَكَذَا أَسْلَمَ عِكْرِمَةُ -رضي اللَّه عنه- وَحَسُنَ إِسْلَامُهُ، وَقَدِ اسْتُشْهِدَ -رضي اللَّه عنه- يَوْمَ مَعْرَكَةِ أَجْنَادِينَ فِي خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ -رضي اللَّه عنه-

2 - عَبْدُ اللَّهِ بنُ سَعْدِ بنِ أَبِي السَّرْحِ -صلى اللَّه عليه وسلم-:
وَأَمَّا عَبْدُ اللَّهِ بنُ سَعْدِ بنِ أَبِي السَّرْحِ فَإِنَّهُ لَمَّا عَلِمَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- قَدْ أَهْدَرَ دَمَهُ، اخْتَفَى وَذَهَبَ إِلَى عُثْمَانَ بنِ عَفَّانَ -رضي اللَّه عنه-، وَكَانَ أَخَاهُ مِنَ الرَّضَاعَةِ، فَلَمَّا هَدَأَ النَّاسُ وَاطْمَأَنُّوا، اسْتَأْمَنَ لَهُ عُثْمَانُ -رضي اللَّه عنه- رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-، ثُمَّ أَتَى بِهِ إِلَيْهِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! بَايعْ عَبْدَ اللَّهِ، فَرَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- رَأْسَهُ، فنَظَرَ إِلَيْهِ ثَلَاثًا، كُلُّ ذَلِكَ يَأْبَى، فَبَايَعَهُ بَعْدَ ثَلَاثٍ، فَلَمَّا انْصَرَفَ عُثْمَانُ وَعَبْدُ اللَّهِ، أَقْبَلَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- عَلَى أَصْحَابِهِ فَقَالَ: "أَمَا كَانَ فِيكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ يَقُومُ إِلَى هَذَا حِينَ رَآنِي كفَفْتُ يَدِيَ عَنْ بَيْعَتِهِ، فَيَقْتُلَهُ؟ ".
قَالُوا: مَا دَرَيْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا فِي نَفْسِكَ، فَهَلَّا أَوْمَأْتَ (¬3) إِلَيْنَا بِعَيْنِكَ؟ .
¬__________
(¬1) طأطأ رأسه: خفضه. انظر النهاية (3/ 101).
(¬2) أخرج ذلك الحاكم في المستدرك - كتاب معرفة الصحابة - باب ذكر مناقب عكرمة بن أبي جهل -رضي اللَّه عنه- رقم الحديث (5105) - وإسناده ضعيف - لكن له شواهد يتقوى بها.
(¬3) الإيماء: الإشارة بالأعضاء كالرأس واليد والعين والحاجب. انظر النهاية (1/ 82).

الصفحة 72