كتاب اللؤلؤ المكنون في سيرة النبي المأمون (اسم الجزء: 4)

قَالَتْ: نَعَمْ، فَاعْفُ عَمَّا سَلَفَ عَفَا اللَّهُ عَنْكَ.
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "وَلَا تَزْنِينَ".
قَالَتْ هِنْدٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! هَلْ تَزْنِي الحُرَّةُ؟ .
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "وَلَا تَقْتُلْنَ أَوْلَادَكُنَّ".
فَقَالَتْ هِنْدٌ: قَدْ رَبَّيْنَاهُمْ صِغَارًا، وَقَتَلْتَهُمْ يَوْمَ بَدْرٍ كِبَارًا، فَأَنْتَ وَهُمْ أَعْلَمُ! فَضَحِكَ عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ -رضي اللَّه عنه- مِنْ قَوْلهَا حَتَّى اسْتَغْرَبَ (¬1)، فَتَبَسَّمَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- فَقَالَ: "وَلَا تَأتِينَ بِبُهْتَانٍ تَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيكُنَّ وَأَرْجُلِكُنَّ".
فَقَالَتْ هِنْدٌ: وَاللَّهِ إِنَّ إِتْيَانَ البُهْتَانِ لَقَبِيحٌ، وَلَبَعْضُ التَّجَاوُزِ أَمْثَلُ، وإِنَّكَ مَا تَأْمُرُنَا إِلَّا الرُّشْدَ، وَمَكَارِمَ الأَخْلَاقِ.
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "وَلَا تَعْصِينَنِي فِي مَعْرُوفٍ".
فَقَالَتْ هِنْدٌ: مَا جَلَسْنَا هَذَا المَجْلِسَ وَنَحْنُ نُرِيدُ أَنْ نَعْصِيَكَ فِي مَعْرُوفٍ.
فَبَايَعَهُنَّ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-، فَقَالَتْ هِنْدٌ مِنْ بَيْنِ النِّسَاءَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! نُصَافِحُكَ؟
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إِنِّي لَا أُصَافِحُ النِّسَاءَ (¬2)، إِنَّمَا قَوْلي لِامْرَأَةٍ، قَوْلي
¬__________
(¬1) استغرب: بالغ في الضحك، وقيل: هو القهقهة. انظر النهاية (3/ 316).
(¬2) ثبت في صحيح البخاري - رقم الحديث (4891) - ومسلم في صحيحه - رقم الحديث (1866) (88) (89) أن رَسُول اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- يصافح النساء أبدًا، فعن عائشة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قالت: واللَّه! ما مست يد رَسُول اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- يد امرأة قط، غير أنَّه يبابعهن بالكلام، فإذا أخذ عليها فأعطته، قال: "اذهبي فقد بايعتكِ".

الصفحة 81