كتاب اللؤلؤ المكنون في سيرة النبي المأمون (اسم الجزء: 4)
فَهَدَمُوهُ، وَلَمْ يَجِدُوا فِي خِزَانَتِهِ شَيْئًا، وَانْصَرَفَ رَاجِعًا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- (¬1).
2 - سَرِيَّةُ خَالِدِ بنِ الوَلِيدِ -رضي اللَّه عنه- إِلَى العُزَّى (¬2):
وَبَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- خَالِدَ بنَ الوَليدِ -رضي اللَّه عنه- فِي ثَلَاثِينَ فَارِسًا مِنَ الصَّحَابَةِ لِهَدْمِ العُزَّى، وَذَلِكَ لِخَمْسِ لَيَالي بَقِينَ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ مِنَ السَّنَةِ الثَّامِنَةِ لِلْهِجْرَةِ، وَكَانَتْ بِنَخْلَةٍ (¬3)، وَهِيَ أَعْظَمُ أَصْنَامِهِمْ، فَأَتَاهَا خَالِدٌ -رضي اللَّه عنه-، وَكَانَتْ عَلَى ثَلَاثِ سَمُرَاتٍ (¬4)، فَقَطَعَ السَّمُرَاتِ، وَهَدَمَ البَيْتَ الذِي كَانَ عَلَيْهَا، ثُمَّ أَتَى النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، فَأَخْبَرَهُ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "ارْجعْ، فَإِنَّكَ لَمْ تَصْنَعْ شَيْئًا"، فَرَجَعَ خَالِدٌ، فَلَمَّا بَصُرَتْ بِهِ السَّدَنَةُ، وَهُمْ حَجَبَتُهَا، أَمْعَنُوا (¬5) فِي الجَبَلِ وَهُمْ يَقُولُونَ: يَا عُزَّى يَا عُزَّى، فَأَتَاهَا خَالِدٌ، فَإِذَا امْرَأَةٌ عُرْيَانَةٌ نَاشِرَةٌ شَعْرَهَا، تَحْتَفِنُ (¬6) التُّرَابَ عَلَى رَأْسِهَا، فَعَمَّمَهَا خَالِدٌ بِالسَّيْفِ حَتَّى قَتَلَهَا، وَهُوَ يَقُولُ:
¬__________
(¬1) انظر الطبَّقَات الكُبْرى لابن سعد (2/ 323).
(¬2) العُزَّى: هو صنم لقريش وجميع بني كنانة، وقد كانت قريش تعظمه، ولهذا لما انتهت غزوة أُحد، صرخ أبو سفيان: لنا العزى ولا عزى لكم، فقال رَسُول اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- لأصحابه: "قولوا: اللَّه مولانا، ولا مولى لكم".
وقد ذكرنا ذلك في غزوة أُحد مفصلًا، فراجعه.
وذكر اللَّه تَعَالَى هذا الصنم فِي القرآن الكريم، فقال سبحانه وتَعَالَى فِي سورة النجم آية (19): {أَفَرَءَيتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى}.
(¬3) نخلة: هو موضع بالحجاز قريب من مكة، فيه نخل وزروع. انظر معجم البلدان (8/ 381).
(¬4) السَمُرات: واحدتها سَمُرة بفتح السين وضم الميم: هو نوع من أنواع الشجر. انظر النهاية (2/ 359).
(¬5) أمعن فِي الجبل: أي جدّ وابعد فِي صعوده فِي الجبل. انظر النهاية (4/ 293).
(¬6) الحَفْنَة: هي ملءُ الكف. انظر النهاية (1/ 393).
الصفحة 92