كتاب اختصار صحيح البخاري وبيان غريبه (اسم الجزء: 4)
رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- دابته، فسار حتى دخل على سعد بن عبادة، فقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أيْ سعد! ألم تسمع ما قال أبو حُباب -يريد عبد اللَّه بن أُبَيّ- قال كذا وكذا" فقال سعد بن عبادة: يا رسول اللَّه (¬1)! بأبي أنت اعفُ عنه واصفح، فوالذي أنزل عليك الكتاب لقد جاء اللَّه بالحق الذي أنزل عليك، ولقد اصطلح أهل هذه البُحَيْرَةِ (¬2) على أن يُتَوِّجُوهُ، ويُعَصِّبوه بعصابة، فلما ردَّ اللَّه ذلك بالحق الذي أعطاك شَرِقَ بذلك، فذلك فَعَلَ به ما رأيت. فعفا عنه رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-.
وكان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وأصحابه يَعْفُون عن المشركين وأهل الكتاب كما أمرهم اللَّه، ويصبرون على الأذى، قال اللَّه عَزَّ وَجَلَّ (¬3): {وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ} [آل عمران: 186] الآية. وقال اللَّه عَزَّ وَجَلَّ: {وَدَّ (¬4) كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا} [البقرة: 109] فكان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يتأوَّل في العفو عنهم ما أمره اللَّه (¬5)، حتى أذن له فيهم، فلما غزا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بدرًا، فقتل اللَّه بها مَن قتل من صناديد الكفار وسادة قريش، وقفل (¬6) رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وأصحابه منصورين غانمين، معهم أُسَارى من صناديد الكفار وسادة قريش، قال ابنُ أُبَيٍّ ابنُ سَلُولَ ومَن معه من المشركين عبدة الأوثان: هذا أمر قد تَوَجَّه، فَبَايِعُوا رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-،
¬__________
(¬1) في "صحيح البخاري": "أي رسول اللَّه".
(¬2) في "صحيح البخاري": "البَحْرَة".
(¬3) في "صحيح البخاري": "قال اللَّه تعالى".
(¬4) في "صحيح البخاري": "وقال: ود".
(¬5) في "صحيح البخاري": "ما أمره اللَّه به".
(¬6) في "صحيح البخاري": "فقفل".