كتاب الإحكام في أصول الأحكام - الآمدي (اسم الجزء: 4)
وَبِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: " «اجْتَهِدُوا فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ» ". (١) وَتَقْلِيدُ الْعَالِمِ لِلْعَالِمِ يَلْزَمُ مِنْهُ: تَرْكُ الِاعْتِبَارِ، وَتَرْكُ الْعَمَلِ بِحُكْمِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَتَرْكُ مَا أُنْزِلَ، وَاقْتِفَاءُ مَا لَيْسَ لَهُ بِهِ عِلْمٌ، وَتَرْكُ الِاجْتِهَادِ الْمَأْمُورِ بِهِ. وَهُوَ خِلَافُ ظَاهِرِ النَّصِّ.
وَاذَا تَعَارَضَتِ الْأَدِلَّةُ سَلِمَ لَنَا مَا ذَكَرْنَاهُ أَوَّلًا.
[الْمَسْأَلَةُ العاشرة هَلْ يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ لِلْمُجْتَهِدِ احْكُمْ فَإِنَّكَ لَا تَحْكُمُ إِلَّا بِالصَّوَابِ]
الْمَسْأَلَةُ الْعَاشِرَةُ
اخْتَلَفُوا فِي أَنَّهُ هَلْ يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ لِلْمُجْتَهِدِ احْكُمْ فَإِنَّكَ لَا تَحْكُمُ إِلَّا بِالصَّوَابِ (٢) ، فَأَجَازَ ذَلِكَ قَوْمٌ لَكِنِ اخْتَلَفُوا فَقَالَ مُوسَى بْنُ عِمْرَانَ (٣) بِجَوَازِ ذَلِكَ مُطْلَقًا لِلنَّبِيِّ وَغَيْرِهِ مِنَ الْعُلَمَاءِ.
وَقَالَ أَبُو عَلِيٍّ الْجُبَّائِيُّ بِجَوَازِ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ خَاصَّةً فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ.
وَقَدْ نُقِلَ عَنِ الشَّافِعِيِّ فِي " كِتَابِ الرِّسَالَةِ " مَا يَدُلُّ عَلَى التَّرَدُّدِ بَيْنَ الْجَوَازِ وَالْمَنْعِ، وَمَنَعَ مِنْ ذَلِكَ الْبَاقُونَ.
وَالْمُخْتَارُ جَوَازُهُ دُونَ وُقُوعِهِ، لَكِنْ لَا بُدَّ مِنَ الْإِشَارَةِ إِلَى حُجَجٍ عَوَّلَ عَلَيْهَا الْمُجَوِّزُونَ بَعْضُهَا يَدُلُّ عَلَى الْجَوَازِ وَبَعْضُهَا يَدُلُّ عَلَى الْوُقُوعِ، وَالتَّنْبِيهُ عَلَى ضَعْفِهَا كَالْجَارِي مِنْ
---------------
(١) جُزْءٌ مِنْ حَدِيثٍ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ عَلِيٍّ، لَكِنْ بِلَفْظِ: اعْمَلُوا. . إِلَخْ. وَلَوْ صَحَّتْ رِوَايَةُ اجْتَهِدُوا لَمَا صَحَّ حَمْلُهَا عَلَى خُصُوصِ الِاجْتِهَادِ فِي اسْتِنْبَاطِ الْأَحْكَامِ مِنَ الْأَدِلَّةِ، فَإِنَّهُ اصْطِلَاحٌ حَادِثٌ.
(٢) هَذِهِ مَسْأَلَةٌ مِنْ عِلْمِ الْكَلَامِ لَا مِنْ أَصُولِ الْفِقْهِ، فَإِنَّ الْبَحْثَ فِي جَوَازِ أَنْ يَقُولَ اللَّهُ لِنَبِيِّهِ أَوْ لِلْمُجْتَهِدِ مِنْ أُمَّتِهِ: احْكُمْ، فَإِنَّكَ لَا تَحْكُمُ إِلَّا بِالصَّوَابِ، أَوْ تَفْوِيضِهِ ذَلِكَ إِلَيْهِمْ، وَوُقُوعِهِ مِنْهُ بَحْثٌ عَنْ حُكْمِ صِفَةٍ مِنْ صِفَاتِ اللَّهِ الْفِعْلِيَّةِ الْمُتَّصِلَةِ بِالتَّشْرِيعِ وَبِالْقَدَرِ تَوْقِيفًا وَتَسْدِيدًا، وَمَوْضُوعُ ذَلِكَ عِلْمُ الْكَلَامِ، فَيَنْبَغِي أَنْ يُكْتَفَى بِبَحْثِهَا فِيهِ، وَإِنْ بُحِثَتْ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ فَلْيَكُنْ ذَلِكَ فِي الْمَبَادِئِ الْكَلَامِيَّةِ كَمَبَاحِثِ الْحَاكِمِ، أَوْ قَبْلَ مَسَائِلِ الِاجْتِهَادِ، لِرُجُوعِ بَعْضِ أَدِلَّةِ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى مِنْ مَسَائِلِ الِاجْتِهَادِ إِلَيْهِ.
(٣) مُوسَى بْنُ عِمْرَانَ - وَفِي مُسَوَّدَةِ آلِ تَيْمِيَةَ: يُونُسُ بْنُ عِمْرَانَ، وَفِي الْمُعْتَمَدِ لِأَبِي الْحُسَيْنِ الْبَصْرِيِّ: مُوَيْسُ بْنُ عِمْرَانَ. فَلْيَنْظُرْ.
الصفحة 209