كتاب الإحكام في أصول الأحكام - الآمدي (اسم الجزء: 4)

الْأَوَّلُ مِنْهَا: أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا أَمْرًا وَالْآخَرُ نَهْيًا، فَالنَّهْيُ مِنْ حَيْثُ هُوَ نَهْيٌ مُرَجَّحٌ عَلَى الْأَمْرِ لِثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ:
الْأَوَّلُ: أَنَّ الطَّلَبَ فِيهِ التَّرْكُ أَشَدُّ، وَلِهَذَا لَوْ قُدِّرَ كَوْنُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُطْلَقًا فَإِنَّ أَكْثَرَ مَنْ قَالَ بِالْخُرُوجِ عَنْ عُهْدَةِ الْأَمْرِ بِالْفِعْلِ مَرَّةً وَاحِدَةً نَازَعَ فِي النَّهْيِ.
الثَّانِي: أَنَّ مَحَامِلَ النَّهْيِ وَهِيَ تَرَدُّدُهُ بَيْنَ التَّحْرِيمِ وَالْكَرَاهَةِ لَا غَيْرَ أَقَلُّ مِنْ مَحَامِلِ الْأَمْرِ لِتَرَدُّدِهِ بَيْنَ الْوُجُوبِ وَالنَّدْبِ وَالْإِبَاحَةِ عَلَى بَعْضِ الْآرَاءِ.
الثَّالِثُ: أَنَّ الْغَالِبَ مِنَ النَّهْيِ طَلَبُ دَفْعِ الْمَفْسَدَةِ، وَمِنَ الْأَمْرِ طَلَبُ تَحْصِيلِ الْمَصْلَحَةِ وَاهْتِمَامِ الْعُقَلَاءِ بِدَفْعِ الْمَفَاسِدِ أَكْثَرُ مِنِ اهْتِمَامِهِمْ بِتَحْصِيلِ الْمَصَالِحِ.
التَّرْجِيحُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا آمِرًا وَالْآخَرُ مُبِيحًا، فَالْآمِرُ وَإِنْ تَرَجَّحَ عَلَى الْمُبِيحِ نَظَرًا إِلَى أَنَّهُ إِنْ عُمِلَ بِهِ لَا يَصِيرُ مُخَالِفًا لِلْمُبِيحِ، وَلَا كَذَلِكَ بِالْعَكْسِ لِاسْتِوَاءِ طَرَفَيِ الْمُبَاحِ وَتَرَجَّحَ جَانِبُ الْمَأْمُورِ بِهِ، إِلَّا أَنَّ الْمُبِيحَ يَتَرَجَّحُ عَلَى الْآمِرِ مِنْ أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ:
الْأَوَّلُ: أَنَّ مَدْلُولَ الْمُبِيحِ مُتَّحِدٌ وَمَدْلُولَ الْآمِرِ مُتَعَدِّدٌ، كَمَا سَبَقَ تَعْرِيفُهُ، فَكَانَ أَوْلَى.
الثَّانِي: أَنَّ غَايَةَ مَا يَلْزَمُ مِنَ الْعَمَلِ بِالْمُبِيحِ تَأْوِيلُ الْآمِرِ بِصَرْفِهِ عَنْ مَحْمَلِهِ الظَّاهِرِ إِلَى الْمَحْمَلِ الْبَعِيدِ، وَالْعَمَلُ بِالْآمِرِ يَلْزَمُ مِنْهُ تَعْطِيلُ الْمُبِيحِ بِالْكُلِّيَّةِ، وَالتَّأْوِيلُ أَوْلَى مِنَ التَّعْطِيلِ.
الثَّالِثُ: أَنَّ الْمُبِيحَ قَدْ يُمْكِنُ الْعَمَلُ بِمُقْتَضَاهُ عَلَى تَقْدِيرَيْنِ: عَلَى تَقْدِيرِ مُسَاوَاتِهِ لِلْآمِرِ وَرُجْحَانِهِ، وَالْعَمَلُ بِمُقْتَضَى الْأَمْرِ مُتَوَقِّفٌ عَلَى التَّرْجِيحِ، وَمَا يَتِمُّ الْعَمَلُ بِهِ عَلَى تَقْدِيرَيْنِ يَكُونُ أَوْلَى مِمَّا لَا يَتِمُّ الْعَمَلُ بِهِ إِلَّا عَلَى تَقْدِيرٍ وَاحِدٍ.
الرَّابِعُ: أَنَّ الْعَمَلَ بِالْمُبِيحِ بِتَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ الْفِعْلُ مَقْصُودًا لِلْمُكَلَّفِ لَا يَخْتَلُّ لِكَوْنِهِ مَقْدُورًا لَهُ، وَالْعَمَلَ بِالْآمِرِ يُوجِبُ الْإِخْلَالَ بِمَقْصُودِ التَّرْكِ بِتَقْدِيرِ كَوْنِ التَّرْكِ مَقْصُودًا لَهُ.
التَّرْجِيحُ الثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا أَمْرًا وَالْآخَرُ خَبَرًا، فَالْخَبَرُ يَكُونُ رَاجِحًا لِثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ:
الْأَوَّلُ: أَنَّ مَدْلُولَ الْخَبَرِ مُتَّحِدٌ بِخِلَافِ الْأَمْرِ عَلَى مَا سَبَقَ فَكَانَ أَوْلَى لِبُعْدِهِ عَنِ الِاضْطِرَابِ.
الثَّانِي: أَنَّ الْخَبَرَ أَقْوَى فِي الدَّلَالَةِ، وَلِهَذَا امْتَنَعَ نَسْخُهُ عَلَى بَعْضِ الْآرَاءِ بِخِلَافِ الْأَمْرِ.

الصفحة 250