كتاب الإحكام في أصول الأحكام - الآمدي (اسم الجزء: 4)

الْعِشْرُونَ: أَنْ تَكُونَ دَلَالَةُ أَحَدِهِمَا عَلَى مَدْلُولِهِ بِطَرِيقِ الْمُطَابَقَةِ، وَالْآخَرِ بِدَلَالَةِ الِالْتِزَامِ، فَدَلَالَةُ الْمُطَابَقَةِ أَوْلَى؛ لِأَنَّهَا أَضْبَطُ.
الْحَادِي وَالْعِشْرُونَ: أَنْ يَكُونَا دَالَّيْنِ بِجِهَةِ الِاقْتِضَاءِ إِلَّا أَنَّ الْعَمَلَ بِأَحَدِهِمَا فِي مَدْلُولِهِ ضَرُورَةُ صِدْقِ الْمُتَكَلِّمِ، أَوْ لِضَرُورَةِ وُقُوعِ الْمَلْفُوظِ بِهِ عَقْلًا، وَالْآخَرِ لِضَرُورَةِ وُقُوعِ الْمَلْفُوظِ بِهِ شَرْعًا، كَمَا سَبَقَ تَعْرِيفُهُ (١) ، فَمَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ صِدْقُ الْمُتَكَلِّمِ فَوُقُوعُ الْمَلْفُوظِ بِهِ عَقْلًا أَوْلَى؛ نَظَرًا إِلَى بُعْدِ الْخُلْفِ فِي كَلَامِ الشَّارِعِ، وَامْتِنَاعِ مُخَالَفَةِ الْمَعْقُولِ وَقُرْبِ الْمُخَالَفَةِ فِي الْمَشْرُوعِ.
الثَّانِي وَالْعِشْرُونَ: أَنْ يَكُونَا دَالَّيْنِ بِجِهَةِ التَّنْبِيهِ وَالْإِيمَاءِ إِلَى أَنَّ أَحَدَهُمَا لَوْ لَمْ يُقَدِّرْ كَوْنَ الْمَذْكُورِ فِيهِ عِلَّةً لِلْحُكْمِ الْمَذْكُورِ مَعَهُ كَانَ ذِكْرُهُ عَبَثًا وَحَشْوًا، وَالْآخَرَ مِنْ قَبِيلِ مَا رُتِّبَ فِيهِ الْحُكْمُ عَلَى الْوَصْفِ بِفَاءِ التَّعْقِيبِ، فَالَّذِي لَوْ لَمْ يُقَدِّرْ فِيهِ التَّعْلِيلَ كَانَ ذِكْرُهُ عَبَثًا أَوْلَى مِنَ الْآخَرِ؛ نَظَرًا إِلَى مَحْذُورِ الْعَبَثِ فِي كَلَامِ الشَّارِعِ، وَإِلْغَاؤُهُ أَتَمُّ مِنْ مَحْذُورِ الْمُخَالَفَةِ لِدَلَالَةِ حَرْفِ الْفَاءِ عَلَى التَّعْلِيلِ، وَإِمْكَانِ تَأْوِيلِهَا بِغَيْرِ السَّبَبِيَّةِ بَلْ وَهُوَ أَوْلَى (٢) مِنْ سَائِرِ أَنْوَاعِ التَّنْبِيهِ وَالْإِيمَاءِ؛ لِمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ زِيَادَةِ الْمَحْذُورِ، وَمَا دَلَّ عَلَى الْعِلِّيَّةِ بِفَاءِ التَّعْقِيبِ لِظُهُورِهَا، مُقَدَّمٌ عَلَى مَا عَدَاهُ مِنْ بَاقِي أَقْسَامِ التَّنْبِيهِ وَالْإِيمَاءِ.
الثَّالِثُ وَالْعِشْرُونَ: أَنْ يَكُونَا دَالَّيْنِ بِجِهَةِ الْمَفْهُومِ إِلَّا أَنَّ أَحَدَهُمَا مِنْ قَبِيلِ مَفْهُومِ الْمُخَالَفَةِ وَالْآخَرَ مِنْ قَبِيلِ مَفْهُومِ الْمُوَافَقَةِ، فَقَدْ يُمْكِنُ تَرْجِيحُ مَفْهُومِ الْمُوَافَقَةِ عَلَى مَفْهُومِ الْمُخَالَفَةِ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَمُخْتَلَفٌ فِي مُقَابِلِهِ، وَقَدْ يُمْكِنُ تَرْجِيحُ مَفْهُومِ الْمُخَالَفَةِ عَلَيْهِ مِنْ وَجْهَيْنِ:
الْأَوَّلُ: أَنَّ فَائِدَةَ مَفْهُومِ الْمُخَالَفَةِ التَّأْسِيسُ، وَفَائِدَةَ مَفْهُومِ الْمُوَافَقَةِ التَّأْكِيدُ، وَالتَّأْسِيسُ أَصْلٌ وَالتَّأْكِيدُ فَرْعٌ، فَكَانَ مَفْهُومُ الْمُخَالَفَةِ أَوْلَى.
الثَّانِي: أَنَّ مَفْهُومَ الْمُوَافَقَةِ لَا يَتِمُّ إِلَّا بِتَقْدِيرِ فَهْمِ الْمَقْصُودِ مِنَ الْحُكْمِ فِي مَحَلِّ النُّطْقِ، وَبَيَانِ وُجُودِهِ فِي مَحَلِّ السُّكُوتِ، وَأَنَّ اقْتِضَاءَهُ لِلْحُكْمِ فِي مَحَلِّ السُّكُوتِ أَشَدُّ.
---------------
(١) سَبَقَ ذَلِكَ فِي الْمَسْأَلَةِ التَّاسِعَةِ مِنْ مَسَائِلِ الْعُمُومِ ج ٢.
(٢) بَلْ وَهُوَ أَوْلَى - هَكَذَا فِي النُّسَخِ الْمَطْبُوعَةِ وَفِي الْمَخْطُوطَةِ - وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مُحَرَّفٌ وَلَعَلَّ الْأَصْلَ: بَلْ هُوَ أَوْلَى. . . إِلَخْ.

الصفحة 253