كتاب الإحكام في أصول الأحكام - الآمدي (اسم الجزء: 4)

الْعُمُومَاتِ أَكْثَرُ مِنْ تَطَرُّقِ التَّأْوِيلِ إِلَى الْخَاصِّ، وَلِهَذَا كَانَتْ أَكْثَرُ الْعُمُومَاتِ مُخَصَّصَةً وَأَكْثَرُ الظَّوَاهِرِ الْخَاصَّةِ مُقَرَّرَةً، وَبِهَذَا يَكُونُ الْمُطْلَقُ الدَّالُّ عَلَى وَاحِدٍ لَا بِعَيْنِهِ مُرَجَّحًا عَلَى الْعَامِّ.
التَّاسِعُ وَالْعِشْرُونَ: أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا عَامًّا مُخَصَّصًا وَالْآخَرُ غَيْرَ مُخَصَّصٍ، فَالَّذِي لَمْ يَدْخُلْهُ التَّخْصِيصُ أَوْلَى لِعَدَمِ تَطَرُّقِ الضَّعْفِ إِلَيْهِ.
وَعَلَى هَذَا فَمَا كَانَ عَامًّا مِنْ وَجْهٍ وَخَاصًّا مِنْ وَجْهٍ يَكُونُ مُرَجَّحًا عَلَى مَا هُوَ عَامٌّ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَكَذَلِكَ الْمُطْلَقُ مِنْ وَجْهٍ وَالْمُقَيَّدُ مِنْ وَجْهٍ مُرَجَّحٌ عَلَى مَا هُوَ مُطْلَقٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَمَا هُوَ مَنْطُوقٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ مُقَدَّمٌ عَلَى مَا هُوَ حَقِيقِيٌّ مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ، وَكَذَلِكَ الْحَقِيقِيُّ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ مُقَدَّمٌ عَلَى مَا هُوَ حَقِيقِيٌّ مَنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ.
الثَلَاثُونَ: أَنْ يَكُونَا عَامَّيْنِ، إِلَّا أَنَّ أَحَدَهُمَا مِنْ قَبِيلِ الشَّرْطِ وَالْجَزَاءِ وَالْآخَرَ مِنْ قَبِيلِ النَّكِرَةِ الْمَنْفِيَّةِ، فَقَدْ يُمْكِنُ تَرْجِيحُ دَلَالَةِ الشَّرْطِ وَالْجَزَاءِ لِكَوْنِ الْحُكْمِ فِيهِ مُعَلَّلًا بِخِلَافِ النَّكِرَةِ الْمَنْفِيَّةِ، وَالْمُعَلَّلُ أَوْلَى مِنْ غَيْرِ الْمُعَلَّلِ، وَقَدْ يُمْكِنُ تَرْجِيحُ دَلَالَةِ نَفِيِ النَّكِرَةِ بِأَنَّ دَلَالَتَهُ أَقْوَى، وَلِهَذَا كَانَ خُرُوجُ الْوَاحِدِ مِنْهُ يُعَدُّ خُلْفًا فِي الْكَلَامِ، عِنْدَمَا إِذَا قَالَ: " لَا رَجُلَ فِي الدَّارِ " وَكَانَ فِيهَا رَجُلٌ، بِخِلَافِ مُقَابِلِهِ، وَبِهَذَا تَكُونُ دَلَالَةُ النَّكِرَةِ الْمَنْفِيَّةِ أَوْلَى مِنْ جَمِيعِ أَقْسَامِ الْعُمُومِ.
الْحَادِي وَالثَلَاثُونَ: أَنْ تَكُونَ دَلَالَةُ أَحَدِهِمَا مِنْ قَبِيلِ دَلَالَةِ الشَّرْطِ وَالْجَزَاءِ، وَالْآخَرِ مِنْ قَبِيلِ أَسْمَاءِ الْجُمُوعِ، فَالْأَوَّلُ أَوْلَى؛ لِأَنَّ أَكْثَرَ مَنْ خَالَفَ فِي صِيَغِ الْعُمُومِ وَافَقَ عَلَى صِيغَةِ الشَّرْطِ وَالْجَزَاءِ، وَلِأَنَّ الدَّلَالَةَ فِيهِ مُشِيرَةٌ إِلَى الْحُكْمِ وَالْعِلَّةِ بِخِلَافِ مُقَابِلِهِ، وَبِهَذَا يَكُونُ أَوْلَى مِنْ بَاقِي أَقْسَامِ الْعُمُومِ.
الثَّانِي وَالثَلَاثُونَ: أَنْ تَكُونَ دَلَالَةُ أَحَدِهِمَا مِنْ قَبِيلِ الْجَمْعِ الْمُعَرَّفِ وَالْآخَرِ جَمْعُ مُنْكَرٍ، فَالْمُعَرَّفُ أَوْلَى لِوَجْهَيْنِ: الْأَوَّلُ أَنَّ بَعْضَ مَنْ وَافَقَ عَلَى عُمُومِ الْجَمْعِ الْمُعَرَّفِ خَالَفَ فِي الْمُنْكَرِ، فَكَانَ أَقْوَى لِقُرْبِهِ إِلَى الْوِفَاقِ، الثَّانِي: أَنَّهُ لَا يَدْخُلُهُ الْإِبْهَامُ بِخِلَافِ الْمُنْكِرِ فَكَانَ أَوْلَى، (١) ، وَرُبَّمَا رَجَّحَ الْمُنْكَرُ بِكَوْنِهِ دَالًّا عَلَى عَدَدٍ أَقَلَّ مِنَ الْجَمْعِ الْمُعَرَّفِ، فَكَانَ أَقْرَبَ إِلَى الْخُصُوصِ فَكَانَ أَوْلَى.
---------------
(١) انْظُرْ مَا اقْتَضَاهُ هَذَا الْوَجْهُ مِنْ تَقْدِيمِ الْعَامِّ عَلَى الْمُطْلَقِ مَعَ مَا بَنَى عَلَيْهِ قَوْلُهُ فِيمَا تَقَدَّمَ: " وَلِهَذَا يَكُونُ الْمُطَلَّقُ الدَّالُّ عَلَى وَاحِدٍ لَا بِعَيْنِهِ مُرَجَّحًا عَلَى الْعَامِّ ".

الصفحة 255