كتاب الإحكام في أصول الأحكام - الآمدي (اسم الجزء: 4)

السَّابِعُ: أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا قَدْ وَرَدَتْ بِهِ الْمُخَاطَبَةُ عَلَى سَبِيلِ الْإِخْبَارِ بِالْوُجُوبِ، أَوِ التَّحْرِيمِ، أَوْ غَيْرِهِ، كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ} أَوْ فِي مَعْرِضِ الشَّرْطِ وَالْجَزَاءِ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا} . وَالْآخَرُ وَرَدَتِ الْمُخَاطَبَةُ بِهِ شِفَاهًا كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ} فَإِنْ تَقَابَلَا فِي حَقِّ مَنْ وَرَدَتِ الْمُخَاطَبَةُ إِلَيْهِ شِفَاهًا، فَخِطَابُ الْمُشَافَهَةِ أَوْلَى، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ بِالنَّظَرِ إِلَى غَيْرِ مَنْ وَرَدَتِ الْمُخَاطَبَةُ إِلَيْهِ شِفَاهًا كَانَ الْآخَرُ أَوْلَى؛ لِمَا حَقَّقْنَاهُ فِي مُعَارَضَةِ الْعَامِّ الْمُطْلَقِ، وَالْوَارِدُ عَلَى السَّبَبِ الْمُعَيَّنِ، وَلِأَنَّ الْخِطَابَ شِفَاهًا إِنَّمَا يَكُونُ لِلْحَاضِرِ مِنَ الْمَوْجُودِينَ، وَتَعْمِيمُهُ بِالنِّسْبَةِ إِلَى غَيْرِهِمْ إِنَّمَا يَكُونُ بِالنَّظَرِ إِلَى دَلِيلٍ آخَرَ، إِمَّا مِنْ إِجْمَاعِ الْأُمَّةِ عَلَى أَنَّهُ لَا تَفْرِقَةَ، أَوْ مِنْ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: " «حُكْمِي عَلَى الْوَاحِدِ حُكْمِي عَلَى الْجَمَاعَةِ» " (١) .
الثَّامِنُ: أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا مِمَّا يَجُوزُ تَطَرُّقُ النَّسْخِ إِلَيْهِ، أَوْ قَدِ اخْتُلِفَ فِي تَطَرُّقِ النَّسْخِ إِلَيْهِ بِخِلَافِ الْآخَرِ، فَالَّذِي لَا يَقْبَلُ النَّسْخَ يَكُونُ أَوْلَى لِقِلَّةِ تَطَرُّقِ الْأَسْبَابِ الْمُوهِيَةِ إِلَيْهِ.
التَّاسِعُ: أَنْ يَكُونَا عَامَّيْنِ إِلَّا أَنَّ أَحَدَهُمَا قَدِ اتُّفِقَ عَلَى الْعَمَلِ بِهِ فِي صُورَةٍ بِخِلَافِ الْآخَرِ، فَمَا اتُّفِقَ عَلَى الْعَمَلِ بِهِ وَإِنْ كَانَ قَدْ يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ زِيَادَةُ اعْتِبَارِهِ إِلَّا أَنَّ الْعَمَلَ بِمَا لَمْ يُعْمَلْ بِهِ فِي صُورَةٍ مُتَّفَقٍ عَلَيْهَا أَوْلَى؛ إِذِ الْعَمَلُ بِهِ مِمَّا يُفْضِي إِلَى تَعْطِيلِ الْآخَرِ لِكَوْنِهِ قَدْ عُمِلَ بِهِ فِي الْجُمْلَةِ، وَالْعَمَلُ بِمَا عَمِلَ إِلَى تَعْطِيلِ مَا لَمْ يُعْمَلْ بِهِ، وَمَا يُفْضِي إِلَى التَّأْوِيلِ أَوْلَى مِمَّا يُفْضِي إِلَى التَّعْطِيلِ وَمَا عُمِلَ بِهِ فِي الصُّورَةِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهَا، وَإِنْ لَزِمَ أَنْ يَكُونَ فِيهَا رَاجِحًا عَلَى الْعَامِّ الْمُقَابِلِ، إِلَّا أَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ التَّرْجِيحُ لَهُ لِأَمْرٍ خَارِجٍ لَا وُجُودَ لَهُ فِي مَحَلِّ النِّزَاعِ، وَهُوَ وَإِنْ كَانَ الْمُرَجَّحُ الْخَارِجُ بَعِيدَ الْوُجُودِ لَكِنْ يَجِبُ اعْتِقَادُ وَجُودِهِ نَفْيًا لِإِهْمَالِ الْعَامِّ الْآخَرِ.
فَإِنْ قِيلَ: لَوْ كَانَ لَهُ مُرَجِّحٌ مِنْ خَارِجُ لَوَقَفْنَا عَلَيْهِ بَعْدَ الْبَحْثِ التَّامِّ، وَقَدْ بَحَثْنَا فَلَمْ نَجِدْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ، وَاحْتِمَالُ مُخَالَفَةِ السَّبْرِ أَيْضًا بَعِيدٌ فَهُوَ مُعَارَضٌ بِمِثْلِهِ، فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ رُجْحَانُهُ لِمَعْنًى يَعُودُ إِلَى نَفْسِهِ لَوَقَفْنَا عَلَيْهِ بَعْدَ الْبَحْثِ، وَقَدْ بَحَثْنَا فَلَمْ نَجِدْهُ، وَعِنْدَ ذَلِكَ فَيَتَقَاوَمُ الْكَلَامَانِ، وَقَدْ يُسَلَّمُ لَنَا مَا ذَكَرْنَاهُ أَوَّلًا.
الْعَاشِرُ: أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا قَدْ قُصِدَ بِهِ بَيَانُ الْحُكْمِ الْمُخْتَلَفِ فِيهِ بِخِلَافِ الْآخَرِ، فَالَّذِي قُصِدَ بِهِ الْبَيَانُ لِلْحُكْمِ يَكُونُ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ أَمَسَّ بِالْمَقْصُودِ،
---------------
(١) تَقَدَّمَ تَعْلِيقًا ص ٢٧٥ ج ٢.

الصفحة 266