كتاب الإحكام في أصول الأحكام - الآمدي (اسم الجزء: 4)

وَكَذَلِكَ إِذَا كَانَتْ رِوَايَةُ أَحَدِهِمَا مُؤَرَّخَةً بِتَارِيخٍ مَضِيقٍ دُونَ الْآخَرِ، فَاحْتِمَالُ تَقَدُّمِ غَيْرِ الْمُؤَرَّخَةِ يَكُونُ أَغْلَبَ، وَكَذَلِكَ إِذَا كَانَ أَحَدُ الْخَبَرَيْنِ يَدُلُّ عَلَى التَّخْفِيفِ وَالْآخَرُ عَلَى التَّشْدِيدِ، فَاحْتِمَالُ تَأَخُّرِ التَّشْدِيدِ أَظْهَرُ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ مِنْهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنَّهُ مَا كَانَ يُشَدِّدُ إِلَّا بِحَسَبِ عُلُوِّ شَأْنِهِ وَاسْتِيلَائِهِ وَقَهْرِهِ، وَلِهَذَا أَوْجَبَ الْعِبَادَاتِ شَيْئًا فَشَيْئًا وَحَرَّمَ الْمُحَرَّمَاتِ شَيْئًا فَشَيْئًا.

[الْقِسْمُ الثَّانِي فِي التَّعَارُضِ الْوَاقِعِ بَيْنَ مَعْقُولَيْنِ]
[كَانَ التَّعَارُضُ بَيْنَ قِيَاسَيْنِ أَوِ اسْتِدْلَالَانِ أَوْ قِيَاسٌ وَاسْتِدْلَالٌ]
[التَّرْجِيحَاتُ الْعَائِدَةُ إِلَى الْأَصْلِ]
الْقِسْمُ الثَّانِي
فِي التَّعَارُضِ الْوَاقِعِ بَيْنَ مَعْقُولَيْنِ
وَالْمَعْقُولَانِ: إِمَّا قِيَاسَانِ، أَوِ اسْتِدْلَالَانِ، أَوْ قِيَاسٌ وَاسْتِدْلَالٌ:
فَإِنْ كَانَ التَّعَارُضُ بَيْنَ قِيَاسَيْنِ فَالتَّرْجِيحُ بَيْنَهُمَا قَدْ يَكُونُ بِمَا يَعُودُ إِلَى أَصْلِ الْقِيَاسِ، وَقَدْ يَكُونُ بِمَا يَعُودُ إِلَى فَرْعِهِ، وَقَدْ يَكُونُ بِمَا يَعُودُ إِلَى مَدْلُولِهِ، وَقَدْ يَكُونُ بِمَا يَعُودُ إِلَى أَمْرٍ خَارِجٍ.
فَأَمَّا مَا يَعُودُ إِلَى الْأَصْلِ: فَمِنْهُ مَا يَعُودُ إِلَى حُكْمِهِ، وَمِنْهُ مَا يَعُودُ إِلَى عِلَّتِهِ، فَأَمَّا مَا يَعُودُ إِلَى حُكْمِ الْأَصْلِ فَتَرْجِيحَاتٌ:
الْأَوَّلُ: أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ فِي أَصْلِ أَحَدِهِمَا قَطْعِيًّا، وَفِي الْآخَرِ ظَنِّيًّا، فَمَا حُكْمُ أَصْلِهِ قَطْعِيٌّ أَوْلَى؛ لِأَنَّ مَا يَتَطَرَّقُ إِلَيْهِ مِنَ الْخَلَلِ بِسَبَبِ حُكْمِ الْأَصْلِ مَنْفِيٌّ وَلَا كَذَلِكَ الْآخَرُ، فَكَانَ أَغْلَبَ عَلَى الظَّنِّ، وَفِي مَعْنَى هَذَا مَا يَكُونُ الْحُكْمُ فِي أَصْلِ أَحَدِهِمَا مَمْنُوعًا وَفِي الْآخَرِ غَيْرَ الْمَمْنُوعِ، فَغَيْرُ الْمَمْنُوعِ يَكُونُ أَوْلَى.
الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ حُكْمُ الْأَصْلِ فِيهِمَا ظَنِّيًّا، غَيْرَ أَنَّ الدَّلِيلَ الْمُثْبِتَ لِأَحَدِهِمَا أَرْجَحُ مِنَ الْمُثَبِتِ لِلْآخَرِ، فَيَكُونُ أَوْلَى.
الثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ حُكْمُ الْأَصْلِ فِي أَحَدِهِمَا مِمَّا اخْتُلِفَ فِي نَسْخِهِ بِخِلَافِ الْآخَرِ، فَالَّذِي لَمْ يُخْتَلَفْ فِي نَسْخِهِ أَوْلَى لِبُعْدِهِ عَنِ الْخَلَلِ.
الرَّابِعُ: أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ فِي أَصْلِ أَحَدِهِمَا غَيْرَ مَعْدُولٍ بِهِ عَنْ سُنَنِ الْقِيَاسِ، كَمَا ذَكَرْنَاهُ فِيمَا تَقَدَّمَ، بِخِلَافِ الْآخَرِ، فَمَا لَمْ يُعْدَلْ بِهِ عَنْ سُنَنِ الْقِيَاسِ أَوْلَى؛ لِكَوْنِهِ أَبْعَدَ عَنِ التَّعَبُّدِ وَأَقْرَبَ إِلَى الْمَعْقُولِ وَمُوَافَقَةِ الدَّلِيلِ.

الصفحة 268